ليست دور العبادة بأماكن لحديث السياسة أو للخطب السياسية، لا للرئيس ولا للمسئولين الحكوميين ولا لمعارضيهم. وخطير جداً أن يوظف رئيس الجمهورية المنتخب، المسئول العام الأول فى الدولة، المساجد أو غيرها من دور العبادة لشرح قراراته للمواطن ولإقناعه بصحتها وضرورة تأييدها.
لست برافض هنا لأن نتنادى بدور العبادة لحب الوطن والاضطلاع بواجباتنا تجاهه والعمل على رفعته وتقدمه، لست برافض هنا لأن يأتى على ذكر المصلحة الوطنية والتوعية بمركزيتها أئمة المساجد وكهنة الكنائس. بل أرفض أن تستخدم دور العبادة لحديث السياسة بمضامينه المرتبطة بالتنافس بين الحكم والمعارضة والشد والجذب بين الأحزاب فى مواسم الانتخابات وخارجها، فمن غير المقبول أن توصف من على منابر المساجد أحزاب وتيارات بعينها بالصلاح وتوصم أخرى بالكفر والإلحاد. ومن غير المقبول بالمساجد والكنائس أن يطالب المواطن بتأييد أحزاب سياسية بعينها أو مرشحين بعينهم فى الانتخابات، فهذا تلاعب بوعى المواطنات والمواطنين يمرر عبر الشرعية الدينية لدور العبادة وأحياناً عبرها وعبر شرعية رجال الدين.
كذلك لا يمكن قبول استخدام المسئول المنتخب كرئيس الجمهورية أو السياسى المنتمى لدوائر الحكم أو المعارضة دور العبادة كأماكن لصياغة الخطاب السياسى والدفاع عن القرارات وحشد التأييد الشعبى لها. فعندما يخطب الرئيس المنتخب بالمساجد، فهو يستدعى على نحو خطير شرعية المكان الدينية ويحصّن بها -عملاً- شخصه وقراراته من النقد والمساءلة والرفض. هنا يتجاوز الرئيس المنتخب قواعد الديمقراطية ويتحول تدريجياً فى إدراك قطاعات شعبية واسعة من «السيد الرئيس» إلى فضيلة «الدكتور الرئيس».
خطير جداً أن يصنع الرئيس لنفسه شرعية دينية يستمدها من المكان، دار العبادة، وأن يوظفها للاستعلاء على معارضيه (الإشارات فى خطاب استاد القاهرة كمثال) والإفلات من الجوهر الديمقراطى الذى لا يعترف إلا بشرعية صندوق الانتخابات وشرعية القبول الشعبى المرتبطة بإنجازات ونجاحات.
وينطبق الأمر ذاته على السياسيين، حكومة ومعارضة، الذين يحشدون التأييد بالمساجد والكنائس ولا يخجلون من استدعاء الدين، خطاباً ورمزية، للحصول على نجاحات سياسية أو انتخابية.
لن ينصلح حالنا إلا بالتأسيس لدولة مدنية حديثة، ولا مكان بالدولة هذه لحديث سياسة ذى مضامين حزبية بدور العبادة، ولا مكان بالدولة هذه لسياسيين يستدعون شرعية المساجد والكنائس الدينية لتمرير قراراتهم وحشد التأييد الشعبى لها.
لرئيس الجمهورية، كما لكل مصرية ومصرى، مطلق الحق والحرية فى ممارسة الشعائر الدينية، إلا أن واجب الرئيس هو أن لا يزج بالسياسة إلى دور العبادة عبر خطب متكررة، بل أن يمتنع عن هذا ويترك التنادى بالمساجد والكنائس لحب الوطن والعمل على رفعته وتقدمه للأئمة والكهنة.
نريد السيد الرئيس المنتخب، ولا نريد فضيلة الدكتور الرئيس!