لم تكن صدفة بالقطع، بل كانت ترتيباً وتخطيطاً، هناك من يمسك بالخيوط من خلف ستار، يصدر التعليمات، والقرارات، ويتولى التخطيط للمؤامرات.
فجأة وبعد طول غياب، تزامن خروج «البرادعى ووائل غنيم»، اسمان مثيران للاستياء على الساحة المصرية، دورهما المشبوه معروف من قبل ثورة 25 يناير.
أطلق وائل غنيم تصريحاً من قمة «النشطاء» التى نظمتها مؤسسة «فيوجن» الأمريكية، قال فيه: «إن مصر ليست فى حالة كنا نطمح أن نراها عليها، لكن هناك شيئاً ما مفاده أن التغيير يمكن أن يكون تدريجياً، وأن الثورات عمليات مرحلية، ومن أجل هذا يجب أن نستمر فى النضال من أجل القيم.
صمت دهراً، ونطق كفراً..
الآخر، هو «البرادعى»، «غراب البين» الذى يطلقونه قُبيل كل أزمة، ينعق بكلام غريب، وكأنه يحمل كلمة السر لبعض المرتزقة من مريديه الذين يغدق عليهم بالمال السياسى الفاسد..
قال «البرادعى» بعد طول اختفاء، وكان حديثه من ماما أمريكا أيضاً: «لا أستطيع أن أقول: إن مصر أصبحت دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة؛ لأن الديمقراطية ليست كالسعال، تأتى فى لحظة، أو كالقهوة سريعة التحضير»، ثم إنه قال «إما أن نسبح معاً أو نغرق جميعاً».
كلمات تحمل سماً قاتلاً، لكن السؤال: لماذا يطل «البرادعى ووائل غنيم»، مرة واحدة الآن، ومن أمريكا حيث تدار المؤامرات وتحاك الخطط؟
دعونا نقل: إن الأمر مرتبط بتصورات أمريكية خاطئة عن الأوضاع المصرية الراهنة، هناك اعتقاد لدى واشنطن أن صداماً قوياً قد يحدث فى مصر فى 28 نوفمبر، أو فى 25 يناير المقبل، وأن كل ذلك يوجب عليها أن تحرك أدواتها من الآن داخل مصر وخارجها..
وإذا كانت واشنطن أدركت أن الحديث عن عودة الإخوان للحكم مرة أخرى، لم يعد ذا جدوى، لأنه ضرب من الخيال، فإنها ترى الآن ضرورة البحث عن بدائل من عينة «البرادعى» وآخرين، يلعبون دوراً فى التحريض وإثارة القلاقل والعودة مجدداً للحديث عن الديمقراطية «المهدرة» وحقوق الإنسان «الغائبة»، إلى آخر الأسطوانة المشروخة، التى لا تزال مصر تدفع ثمنها من دماء أبنائها وخراب اقتصادها وتخريب منشآتها ومؤسساتها.
لقد راحت هذه الأصوات «النشاز» تبث سمومها قُبيل 28 نوفمبر، ظناً منهم أن تأزم الأوضاع قد يقود إلى طرح البدائل، وينسون ويتجاهلون أن هناك واقعاً جديداً فى مصر قد ترسخ، وأن مؤسسات الدولة قد عادت لتمارس دورها بكل عزم وقوة، دفاعاً عن أمن مصر واستقرارها، وأن متغيرات دولية وإقليمية عديدة قد جاءت لصالح مصر «الجديدة» ونظامها المنتخب.
يبدو أن هؤلاء يتناسون أن هناك رئيساً منتخباً، فى انتخابات حرة ونزيهة، وبنسبة بلغت 96.7٪، وأن الناس لا ينظرون إلى الرئيس السيسى كرئيس جاء بإرادة شعبية وحسب، بل كبطل وطنى استطاع أن ينقذ الدولة المصرية التى كانت معرّضة للانهيار والسقوط بفعل مؤامرة الإخوان وإصرارهم على إحلال الجماعة محل الدولة.
يدرك المصريون جميعاً أن هذه الوجوه «الكريهة» التى راحت تطل من جديد، لا تريد الخير لمصر، بل هى مجرد أدوات تسعى إلى خدمة مخطط هدم الدولة وتفتيت كيانها الوطنى، ومن ثم فإن مجرد ظهورهم مجدداً هو إيذان بعودة أدوات المخطط التى تظن أمريكا أنها لا تزال صالحة للاستعمال!!
إن ذلك دليل جديد على أن المؤامرة لا تزال مستمرة، وأن واشنطن لم تتخلَ عن مخططها الذى بدأ أوائل القرن الحالى، مستهدفاً الوطن والدولة، التاريخ والجغرافيا، ليس فى مصر فحسب، بل فى الأمة بأسرها.
لقد جاءت الدعوة الجديدة فى 28 نوفمبر الحالى بهدف إثارة الفوضى، تساندها فى ذلك منظمات دولية مشبوهة، ومعروفة بعدائها لمصر، وليس صدفة أن وفداً من منظمة «هيومان رايتس ووتش» قد وصل إلى القاهرة قُبيل الأحداث المشار إليها بنحو أسبوع، بهدف إثارة الرأى العام ضد مصر فى حال إقدامها على اتخاذ خطوات هدفها حماية أمنها واستقرارها والمخاطر التى يتعرّض لها الأمن القومى للبلاد.
وفى الوقت نفسه، أيضاً سيكون «البرادعى» وغيره حاضرين فى المشهد، على اعتبار أنه -ومن يمثلهم- البديل المقبول أمريكياً ودولياً، وكأن مصر أصبحت مستباحة للخونة والمتآمرين، أو كأن مصر شعب لا يعى المخاطر المحدقة به، خاصة وهو يرى بأم عينيه كيف تحولت ليبيا وسوريا واليمن إلى بلاد يُستباح فيها القتل والخراب، بعد انهيار الدولة وصعود الإرهابيين على جثتها، وتنفيذ مخطط التفتيت «الشرق الأوسط الجديد».
إن سيناريو الأحداث المتوقعة ليوم 28 نوفمبر يقول إن هناك مجموعات من الإخوان سوف تسعى إلى تكثيف نشاطها الإرهابى فى هذا اليوم، ومحاولة القيام بتظاهرات محدودة فى بعض المناطق، مثل المطرية وحلوان والطالبية وعين شمس وسيدى بشر وغيرها، حاملين المصاحف ومدججين بالأسلحة.
ويسعى الإخوان فى هذا اليوم إلى تحقيق مكاسب عديدة، من بينها إثارة الرأى العام عن طريق الاشتباك مع قوات الأمن وإلقاء المصاحف تحت أقدام الجنود وتصويرها وبثها على قناة «الجزيرة» والقنوات العميلة الأخرى.
كما تسعى الميليشيات الإخوانية إلى قتل بعض العناصر السلفية، بهدف جر السلفيين إلى دخول ساحة الصدام مع الدولة، لتوسيع رقعة المعركة.
وكذلك الحال، سوف يجرى استغلال الحكم الصادر فى قضية اتهام الرئيس الأسبق حسنى مبارك وآخرين، إذا ما صدر الحكم بالبراءة، لجر فئات أخرى من أسر الشهداء إلى صفوفهم، وتصوير الأمر حال حدوثه على أن الدولة تدخلت فى شئون القضاء وتآمرت على دم الشهداء.
وفى هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً بالنسبة للدولة المصرية، لقد تسامحت الدولة كثيراً مع المظاهرات التى خرجت دون إذن أو التزام بالقانون، كما أنها تكاسلت أمام عملية القبض على كثير من العناصر القيادية التى تتآمر علانية ضد البلاد مثل ما يسمى بـ«التحالف الوطنى لدعم الشرعية» وغيره، إلا أن الأمر فى هذه المرة يبدو مختلفاً.
لقد تم إعداد خطط مشتركة بين الجيش والشرطة بهدف سحق أى محاولة للتآمر والتخريب فى هذه المرة، بدأت بعمليات القبض على العناصر الإرهابية التى تشارك فى السيناريو المتوقع حدوثه، كما أن إجراءات قوية سوف تُتخذ فى حال الخروج على القانون وتهديد أمن البلاد.
أما الشارع المصرى الذى ضاق ذرعاً بأفعال الإرهابيين ومؤامراتهم، فيبدو أنه سيلعب دوراً مهماً فى هذه المرة من خلال مطاردة هذه العناصر والحيلولة دون تنفيذ مخططاتها، وسيكون سنداً قوياً فى الشارع حول قوات الجيش والشرطة المصرية.
أياً كان الأمر، فسوف يمضى يوم 28 نوفمبر، كما حدث من قبل، مناوشات عديدة، ومواجهات قوية من الدولة والشعب هذه المرة، ثم ينتهى كل شىء.
فقط هذا هو الذى سوف يجرى، والأيام بيننا.. «السيسى» ليس «مبارك»، ومصر الآن غير مصر ما قبل 25 يناير.