يعتنق المصريون مبدأ التكفير كعقيدة راسخة لا تتزعزع لدى الجميع. وعلى الرغم من اختلاف شرائحنا الاجتماعية والمادية والسياسية والثقافية والدينية، وعلى الرغم من اختلافنا فى كل شىء، فإننا نتشابه فى شىء واحد هو «التكفير»، هو سلاحنا الأبدى فى مواجهة أى شخص يخالفنا الرأى.
يحكى صديقى الشاعر سفيان صلاح واقعة رآها بنفسه ويعتبرها كاشفة لطبيعة ذلك الكائن الزئبقى العجيب المسمى «المواطن المصرى»، فيقول: «رأيت هذا بنفسى فى حفل زفاف، حيث كانت العروس منتقبة وترتدى ملابس بيضاء، وكان العريس يرتدى ملابس كاجوال بينما تظهر على جبهته علامة الصلاة واضحة كختم النسر، وشقيقات العريس بعضهن منتقبات والباقيات يرتدين فساتين سواريه، وانخرط العريس مع والدته المنتقبة فى رقصة حماسية على إيقاع أغنية: هاتى بوسة يا بت.. هاتى حتة يا بت».
ولا يمكن اختزال الأمر فى أن هذا المشهد تعبير عن تناقضات الشخصية المصرية، فالأمر أعقد بكثير من تشخيصه على أنه مجرد تناقضات، إنه ثقافة راسخة تجعل الشخص نفسه أشبه بجلباب فضفاض، كلما تمزق منه جزء وضع عليه رقعة من لون آخر، دوائر ومثلثات ومربعات من كل الألوان والأشكال والمبادئ، لكنه يحافظ على مبدأ وحيد يتلخص فى كلمتين «أنت كافر».
بعد ثورة 25 يناير، وصف الثوار كل من يخالفهم بأنه «فلول» يجب سحب الجنسية منه وإعدامه، بينما كان الإخوان ورجالهم السلفيون يقسمون الشعب إلى مؤمنين وكفار. وفى تلك الأثناء كان الشعب المصرى يتفرج على المكفراتية الإخوان والثوار.
وبعد ثورة 30 يونيو، نزل الشعب الميدان وانتصر، وانزوى المكفراتية الثوار فى بيوتهم وتويترهم وفيسبوكهم، وذهب الإخوان إلى السجون والجبال والقنابل، فشعر الشعب بقوته وقرر أن يستعين بالمبدأ الراسخ «أنت كافر»، لكنه لم يقلها بهذا الاسم فقد تنوعت التسميات بين «أنت عميل- أنت ضد الدولة- أنت ضد السيسى».. وهكذا أصبح المتهمون بالكفر هم الذين يتهمون الآخرين بالكفر.
لا أظن أن السيسى يريد تنصيب نفسه إلهاً على مصر، لكن الأكيد أن مناصريه يريدون تنصيبه إلهاً، من لا يسجد له ويسبح بحمده سيكون كافراً أو شاذاً كما رأينا فى الأيام الأخيرة. ولا أظن السيسى بحاجة إلى فرقة الإنشاد السيساوى التى تحيط به، ولا يحتاج عيوناً ترى نفس ما يراه، ولا رأساً يفكر بطريقته نفسها، فالمثل القديم يقول «أعمى يقود أعمى يسقطان فى حفرة».
وإذا لم يدرك السيسى أنه يحكم «شعب المسجد والكنيسة وهاتى بوسة يا بت و30 يونيو و25 يناير وأم كلثوم ونانسى عجرم والرَّكن فى الممنوع والسير عكس الاتجاه والعناتيل والمتسولين والأغنياء»، وإذا لم يدرك أنه يحتاج أولاً إلى وقف منظومة التكفير والفوضى والعشوائية؛ فإنه لن يضيف جديداً إلى مصر، مهما حفر فى قناة السويس الجديدة ومهما سن القوانين ودشن المشروعات.