غير كافية للكشف عن هوية المسئولين عن قتل المصريات والمصريين، غير كافية للمحاسبة والإدانة القانونية، غير كافية لمنع إهدار حقوق شهداء الثورة وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد وضمان حق المجتمع العام فى محاسبة القتلة.
عدم كفاية الأدلة فى تحقيقات تجرى بعد ثورات أو فورات مجتمعية بشأن جرائم قتل وانتهاك لحقوق الإنسان ظاهرة واجهتها الكثير من الدول. وعندما توافرت الإرادة السياسية للكشف عن هوية القتلة ومحاسبتهم وضمان حقوق المواطن وحق المجتمع العام، شُكلت هيئات للعدالة الانتقالية تولت بتنسيق مع السلطة القضائية ودون اعتداء عليها إعادة التحقيق فى الجرائم المختلفة وتعاملت بعلمية وموضوعية مع الأدلة غير الكافية وتجاوزتها. ليست هيئات العدالة الانتقالية ببدعة يتعين علينا الابتعاد عنها، ولا تنتقص أبدا من شأن السلطة القضائية بل تعمل معها وفى إطارها (بما فى ذلك هيئة النيابة العامة). هيئات العدالة الانتقالية هذه عادة ما يتضمن تشكيلها لجانا لجمع الأدلة وتقصى الحقائق بصلاحيات واضحة (الضبطية القضائية) إلا أن مجرد تشكيل لجان لتقصى الحقائق دون وجود رؤية أشمل لملف العدالة الانتقالية لا يكفى لإحقاق الحق وضمان حقوق الشهداء وحق المجتمع العام فى محاسبة قتلتهم ومرتكبى العنف. لا يمكن أن نلوم قضاة لم تصل لهم أدلة كافية تكشف عن هوية المتورطين فى القتل والعنف وتحدد مسئولياتهم. لا يمكن أن نلومهم على أحكام لم يقدم لهم ما يغير منها. بل المطلوب الآن وكى لا يتكرر الحديث عن الأدلة غير الكافية إلى ما لا نهاية ويبدو الأمر وكأن الأشباح هى التى قتلت المصريات والمصريين فى موقعة الجمل وما سبقها وما تلاها وكى نحمى حقنا فى المحاسبة، هو أن يشكل رئيس الجمهورية هيئة للعدالة الانتقالية بصلاحيات واضحة وبداخلها لجان لجمع الأدلة وتقصى الحقائق ولديها القدرة على إحالة نتائج عملها إلى النيابة العامة ومن ثم للقضاء.يستطيع رئيس الجمهورية أن يصدر قرارا بقانون يقضى بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية والكثير من دراسات المجتمع المدنى ومقترحات بشأن الهيئة وتشكيلها وصلاحياتها يتم تداولها فى الرأى العام وعلى الأرجح أمام الفريق القانونى للرئيس. الاحتجاج السلمى على إهدار حقوق الشهداء وحق مصر ضرورى، إلا أن الفعل السياسى بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية هو مسئولية وواجب رئيس الجمهورية.