يقف كثير من الأطباء حائرين أمام حالات العنف ضد النساء والبنات، هل دورهم كأطباء، العلاج فقط مهما كانت جسامة الحالة، التى يمكن أن يكون ما بها يشكل جريمة بشعة لا تقتصر على الضرب، بل أحياناً الحرق والتشويه أو إحداث عاهات أو الوفاة، أم على الأطباء الإبلاغ والتواصل مع جهات التحقيق وتقديم إفادات موثّقة بالحالة، أم دورهم يجب أن يتعدى الأمرين إلى لعب دور أكبر فى الحدّ من العنف بتوعية الضحية بخطورة الموقف وعواقب الاستمرار مع المعتدى، لذا تعاونت وزارة الصحة مع صندوق مكتب الأمم المتحدة للسكان بالقاهرة لعمل دليل إرشادى وطبى متكامل للتعامل مع ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعى، بمعنى أوضح الضحايا من الفتيات والنساء، متضمناً العنف الجنسى.
يتضمن الدليل مبادئ استرشادية لمساعدة الأطباء فى التعرُّف على ضحايا العنف من النساء، حتى يتمكنوا من التدخل بشكل فعّال لمساعدة المرأة المعنّفة، وتقديم الرعاية الصحية لضحايا العنف الأسرى وحالات الاغتصاب والعنف الجنسى. أيضاً يحتوى الدليل لأول مرة مفهوم الإسعافات الأولية النفسية، حيث يتضمن عدة أجزاء: الجزء الأول معلومات أساسية حول العنف القائم على النوع الاجتماعى: مفاهيم، أنواع العنف، أسبابه، عواقبه والضمانات القانونية. الجزء الثانى يتضمن المبادئ الإرشادية للتعامل بالعنف مع القائم على النوع الاجتماعى. الجزء الثالث دليل مقدم الرعاية الطبية للتعامل مع العنف الأسرى: يتضمن إرشادات التعامل مع الحالة، متى يضع فى الاعتبار احتمال وقوع إساءة حتى لو لم يفصح عنها؟، أداة تقييم مدى التعرُّض لخطر جسيم، وخطط السلامة. الجزء الرابع دليل مقدّم الرعاية الطبية للتعامل مع الاغتصاب والعنف الجنسى: يتضمن الاستعدادات اللازمة لتقديم الرعاية المناسبة لضحايا الاغتصاب وخطوات التعامل. ويعد هذا الدليل عملاً مهماً يساعد الأطباء على لعب دور فى الحد من العنف ضد المرأة، حيث يقول القائمون على الدليل إن العمل سيبدأ فى محافظات القاهرة الكبرى وأسيوط وسوهاج بتنفيذ دورات تدريبية لمدربين من الأطباء، وذلك لتأهيل 3 مدربين بكل مستشفى مشارك فى التطبيق الأول، كما سيتم توزيع الدليل باللغتين العربية والإنجليزية على المستشفيات المشاركة والجهات ذات الصلة والمهتمين.
كما أنه لا بد من بدء إعداد المستشفيات، وذلك بعمل تقدير احتياجات لعدد من المستشفيات المشاركة فى التطبيق الأولى، وقياس مدى جاهزيتها لتقديم الخدمة والاجتماع بمديرى المستشفيات ورؤساء الأقسام، لتقدير الاحتياجات واستطلاع جاهزية المنشأة، لتنفيذ برنامج يمكن المستشفيات من لعب دور مهم وحيوى فى الحد من هذه الجريمة. المستشفيات التى تضمنت برنامج التقييم عددها 26 مستشفى حتى الآن منها: «عين شمس، دار السلام، أسيوط العام، ناصر العام، الخليفة العام، إمبابة العام، الإيمان العام، الخازندارة العام، المنيرة العام»، وهذه سوف يتم العمل معها على أمل أن يتوسع المشروع لجميع المحافظات، وأن يُعمل بهذا الدليل فى جميع المستشفيات المصرية بأن يترسخ لدى الأطباء والعاملين أن هذه العناية الطبية والنفسية والحماية حق مشروع وجزء من الرعاية الطبية، وليس تفضُّلاً من الأطباء والممرضين وأن يلعب الأطباء دوراً فى نشر الوعى بمكافحة العنف ضد المرأة.
هذا الدليل المهم خطوة فى طريق إعادة مهنة الطب، مهنة الملائكة، مرة أخرى، بعد أن شوّهت الثقافة المغلوطة وتجار الدين مفاهيم عدة لدى جيل كامل من الأطباء تُركت كلياتهم نهباً للأفكار المتطرّفة، وبيعت عقولهم فى بورصة المفاوضات السياسية، فدفعت النساء ثمن خلط الطب بأفكار أبعد ما تكون عن الرحمة أو الدين، إنها محاولة لأنسنة مهنة الطب مرة أخرى نأمل أن تنجح.