أستحلفك، سيدى الرئيس، أن تعيّن السيد صباحى وزيراً لشئون الشهداء ليهدأ باله وخاطره، حتى يعيد للشهداء حقوقهم المسلوبة، ويعيد لنا حقوقاً اغتصبها من مرمط الوطن فى وحل ونفايات ربيعهم العربى، وتركوه يئن ويتوجع، وجابوا الدنيا لحصد الجوائز والأنصبة، ثم يعودون إلينا الآن ليبيعوا ما تبقى من الوطن المنهك، يصطفون ويجهزون لبدء المزاد، ثم يتسارعون لتهنئة المشترى الجديد فى «فندق الفيرمونت». أو عيّنه، يا سيدى، وزيراً لشئون الغلابة والفقراء، الباحث عن حقوقهم على منابر الشعارات، وساحات الاعتصام، ودهاليز البطولات الزائفة فى كتاتيب الوطنية، وميثاق الأجداد. ضع يا سيدى صباحى أمام مسئولية محددة واسعة السلطات، واترك له الحبل على الغارب، يجوب البلاد شرقاً وغرباً باحثاً عن حقيقة الشهداء، يجمع أدلة الشهادة لمن استشهد، وأدلة البراءة لمن ظُلم، وأدلة الإدانة لمن سرق ونهب وادعى البطولة والشهادة فى حب الوطن، من رفعنا صورهم بغباء على أكتافنا نبحث لهم عن شاهد زور يقسم لنا إن الثائر البلطجى قد تاب وأناب قبل استشهاده، وحضن أرض الوطن عشقاً وهياماً قبل أن يهب روحه الطاهرة لتحرير شعبه المقهور. افتح له، يا سيدى، خزائن مصر على رحابتها وسعتها ينهل منها ما يشاء، يعوض أهالى الشهداء، ويجبر خاطرهم، ويحيل ما يراه إلى القضاء، حتى نرى ما يصنعه للشهداء وما يصنعه لنا.
صباحى، يا سيدى، لا حل معه سوى أن يقدم لنا تجربة عملية لنجاحه، صباحى لم يُختبر حتى الآن، ولا حل له سوى اختباره فى أرض معركة حقيقية، لنختبر مواهبه كما اختبرناها فى الخطابة والبلاغة، هؤلاء لا يحملون سيفاً ولا يحاربون فى موقعة، لكنهم «نائحات مستأجرات»، يحاربون ببسالة طواحين الهواء، يبكون بلا حزن، ويلطمون الخدود على ميت لا يعرفونه، انتظاراً للوليمة إذا انفض العزاء، ثم يضحكون ويتسامرون على مقابر الموتى، ونواح الثكالى.
صباحى لا بد أن تضعه أمام نفسه وأمام الناس، يخرج من المؤخرة إلى المقدمة بسيفه للنزال، فلقد مللنا مبارزاته، ومعاركه فى أروقة الأناقة والوجاهة، وثورات الفخامة والندامة. الشهداء يا سيد صباحى هم شهداء وطن وليسوا شهداء مكسب ومغنم، لو عادوا إلى الدنيا لطلبوا الشهادة مرة أخرى دون مطلب أو تعويض أو فضل، لأن فضل الله أوسع، يقول رسولنا: «ما رأيت أحداً يريد العودة للدنيا مثل الشهيد، يريد أن يعود مائة مرة يطلب الشهادة لما رأى من فضل الله عليه». شهداؤنا يا سيد صباحى الشرفاء فقط، وليس من سرق ونهب، واعتدى على الأقسام وسرق السلاح ليقتل به ويتاجر فيه، ونهب المحلات، واعتدى على الأعراض، وفجّر نفسه فى شعب مسالم أعزل، هؤلاء ليسوا شهداء، لا تتمسح فى شهادتهم المزورة، ولا تستمع لشهداء الزور منهم، فسوف يشهدون عليك إذا تركت صفوفهم يوماً ما.
يا سيد صباحى، اخلع عن نفسك لباس الزعامة والبس لباس الميدان، وتقدم الصفوف واحمل معول البناء وليس معول الهدم، قدِّم النصيحة فى وقتها، وعارض فى أوانها، وضمّد جراح الوطن كله، شهداؤه جميعاً من شباب ثائر بحق عن ظلم وفساد، ورجال من الشرطة والجيش يدفعون ثمناً لبضاعة اشتراها غيرهم، ويرحلون عن أولادهم لينعم أولادك وأولادنا بنعمة الأمان دون كلمة رثاء منك. يا سيد صباحى، خفف عنا الحمل قليلاً، ولا ترهق كاهلنا أنت وثوارك، ولنحمل التجربة معاً. عسى الحق لا يخطئنا هذه المرة، ويلهمنا الله الصواب، وإلا نحن معك ومع ثوار الحق فى التغيير.
راجع يا سيدى كشوف الشهداء واطلب الحق لشهداء الحق، وليس لشهداء الباطل، اطلبه لكل شهداء الوطن من رجال الشرطة والجيش، ومن أبنائه الذين قُتلوا غدراً فى ربوع البلاد. لم نرك ثائراً أنت ورفاق نضالك فى حكم البراءة فى موقعة الجمل، ولم نسمعك ثائراً مطالباً مرسى بتحديد موقفه، ولم تتساءل: لماذا لم يقدم النائب العام الإخوانى طعناً فى الحكم فى موعده؟ أتعرف لماذا؟ لأن من قتل شهداء موقعة الجمل هو من قتل شهداء يناير. هذا ملف طالب أيها الثائر بالتحقيق فيه مع كل ملفات الشهداء ونحن معك.
أستحلفك، يا سيد صباحى، أن تنفذ اقتراحى، أنت وحمَلة لواء الشهداء فى صورة الأمس، طالب محبيك وشعبك بالتبرع لجبر خاطر كل الشهداء، وافتح باب التبرع من أغنياء الثورة الذين تركوا الشهداء وتسارعوا لجمع الغنائم والأسلاب، على أن يكون فى خطتك تعويض أسرة كل شهيد بمليون جنيه، وكل مصاب نصفه، وشكّل جمعية خيرية شعبية لإدارة مشاكلهم وأوجاعهم، وعلاج المصابين منهم، ورعاية أبنائهم، عند ذلك يرفعك الشعب على أكتافه زاحفاً بك إلى كرسى الرئاسة، ونكون قد اختبرنا قدراتك وقرأنا لكم مقالاً صادقاً لم نقرأه لك من قبل.