دوماً كان مكمن الخطر فى كل الكتابات التى تتعلق بالدين الإسلامى أنها تفترض مبدئياً وتقرر مدعية أن هذا هو الدين وصحيح الدين، بينما صحيح الدين وحقيقته ليس إلا فى الكتب المنزلة علينا من السماء وفى أحاديث صحيحة تماماً تقبلها الفطرة السليمة والعقل السليم، وعندما يقرأ شخص ما هذه النصوص فإن ما فهمه وما يشرحه لنا يكون دينه هو وعقيدته هو، وليس الدين الحقيقى الذى هو فى الكتب المقدسة، ولا يدرك كنهه الحقيقى تماماً إلا الذى أنزله.. ربما يتفق ما فهمه هذا الشخص وشرحه لنا مع صحيح الدين وحقيقته وربما لا يتفق، ربما اتفق فى بعض ونسى بعضاً أو أنكر بعضاً أو ناقضه، ولذا تتعدد وتتجدد الشروح والتفسيرات بمرور الزمن، وتقترب من بعضها أو تتباعد أو تتناقض، فاللفظ الواحد مثلاً قد يتغير معناه ودلالاته من زمن لزمن، ومن مكان لمكان، ومع ظهور وتتابع حقائق علمية كل يوم يصير من الصعوبة القبول بتفسيرات تخالف هذه الحقائق، لأنها سوف تخلق بلبلة وشكاً فى نفوس الذين يثقون بالعلم ويثقون بالدين كما يقدم لهم. من يجزم أو ينفى الاتفاق بين حقيقة الدين كما هو وصحيحه كما أراد الله تعالى، وبين الذين يقدمون للناس الفهم والشرح والتفسير على أنه صحيح الدين وحقيقته؟
الحقيقة لا يملكها أحد أبداً، والوحيد الذى يمكنه ذلك وكان له ذلك الحق وحده هو النبى، صلى الله عليه وسلم، باعتباره المتصل الوحيد برب السماء، وأما غيره الذى يمارس هذا الدور من بعده مدعياً أن السماء تقصد كذا وصحيح الدين هو كذا ليس إلا متوهماً ومدعياً ومنتحلاً لدور ليس حقيقياً ولا خالصاً له، وحتى الإجماع لا يفض هذه المشكلة ولا يمكنه تقرير وتأكيد علم الله وقصده الكريم، كما أن الإسلام كما هو فى نصوص القرآن والسنة الصحيحة خلا من سلطة دينية أو مدنية تفض هذه الإشكالية التى لا يمكن الجزم بحل نهائى لها، بل ستظل أمراً مفتوحاً إلى يوم الدين.
بثقة تامة الإسلام ليس إلا النصوص المقدسة التى يختلف معناها أو يتفق وفقاً لعدد قرائها وشراحها، حتى هذا المنقول بالقول أو الفعل عن الصحابة وأخصهم أبا بكر وعمر، ليس هو صحيح الدين بالضبط وعلى وجه الدقة ولا هو حقيقته الأصلية كما أراد الله سبحانه، وكما كان الرسول الكريم يخبرنا وينذرنا.
وحين مات النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، قام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، خطيباً فى المسجد ووقف يهدد الناقلين لخبر وفاة النبى محمد، وقال: لا أسمعن أحداً يقول إن محمداً قد مات، ولكنه أُرسل إليه كما أُرسل إلى موسى بن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إنى لأرجو أن يقطع أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات!
وفى رواية أخرى أنه قال إن الرسول لم يمت وإنما عُرج بروحه كما عُرج بروح موسى، لا يموت رسول الله حتى يقطع أيدى أقوام وألسنتهم. وظل عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه.
كان هذا عمر، الذى أيده القرآن الكريم فى بضع وعشرين موضعاً، يقول هذا ورأس النبى الكريم فى حجر عائشة، أو فى حجر على بن أبى طالب، كما فى رواية أخرى. ماذا لو كان المسلمون أخذوا عن عمر رأيه هذا وتبعوه؟!
وفى حروب الردة اختلف عمر وأبوبكر قال عمر لأبى بكر الذى أراد قتال المرتدين: كيف تقاتل الناس وقد قال الرسول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله». كان يقين الشيخين متناقضاً ولم يمض على وفاة النبى فى مسألة جلل وتتعلق بأصل من أصول الإسلام. أين الإسلام فى ذلك؟
فى حقيقة الأمر علم ذلك عند الله وحده، وأما نحن فنتحدث ونكتب عن مسلمين ومواقف وآراء مسلمين حتى لو كنا نتحدث عن الشيخين، ونتحدث عن كتابات وشروح وتفاسير مسلمين وليس عن الإسلام ذاته وحقاً.