إن تحديد معنى ومبنى وحدود (بالمعنى الجغرافى لا الشرعى) للإسلام أمر ما زال ضرورياً وحتمياً وعاجلاً، وقد كان لازماً منذ وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، ولكن الحاجة لاستغلاله فى المنفعة والسيطرة والسلطة منعت وستمنع هذا دائماً.
وتشتد الحاجة اليوم أكثر من قبل لمنع سفك المزيد من الدماء ومنع إضاعة الزمن فى صراع يمكن حله بالحوار الصريح دون تحفّظات حول تلك الأمور التى لم يأتِ بها الإسلام صريحة كما نعرفه فى النص القرآنى والأحاديث الصحيحة التى يقبلها العقل السليم.
نقبل بإعمال التأويل، وقبول هذا التأويل والفهم والتفسير من منطلق أنه عمل دنيوى وليس دينياً، ولسنا ملزمين باتباعه، إذ إن أعلى سلطة فى الإسلام هى سلطة الحكمة والموعظة الحسنة (الشيخ محمد عبده).
باختصار يلزم وضع حدود الدين لندرك أن ما يتم تسويقه للناس هو عمل وفكر وغرض مسلمين وليس الإسلام ذاته، وأن دعوة مثل الإسلام، ديناً ودولة، هى دعوة دنيوية صدرت عن مؤلين، إذ لا يوجد نص قرآنى صريح دعا إلى إقامة دولة إسلامية، بل إن هناك نصوصاً قرآنية استنكرت توكيل النبى وسيطرة النبى، ولأن هذه النصوص غائبة توقع النبى غالباً ضلال من بعده، فطلب وهو على فراش الموت «ائتونى بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده»، ولكن عمر بن الخطاب قال إن النبى غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، واختلف الصحابة، فطردهم، وقال عليه السلام «لا تختلفوا عندى»، ثم مرت أيام، ولم يذكر الكتاب ثانية حتى مات.
وكان ممكناً للنبى الكريم أن يقول ما شاء دون كتابة، ولكنه لم يقل كما لم يكتب، والأغلب أنه عاد فأخذ برأى «عمر» كما حدث مراراً.
إن هذا الخلاف الذى دبّ بين الصحابة حين طلب النبى الكريم كتاباً، كان يعنى أن هناك فريقين يدركان أن حياتهما ومستقبلهما ما بعد النبى الكريم سيتأثران بما يقوله الرسول الذى على فراش الموت، ولذا لم يرد الذين أيدوا «عمر»، كتابة شىء. وتذهب أغلب التكهنات إلى أن ما كان ينتوى النبى كتابته حول الخلافة، لأنه لم يرد بخصوصها شىء، وأما ما عداها فـ«مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِن شَىْءٍ»، مما يعنى أن الدين تجاهلها عمداً.
الخلافة لم يرد بها نص ملزم وواجب الاتباع، مما أدى إلى نشوب خلاف شديد فى اختيار الخليفة الأول.
إذ اختار الأنصار خليفة قبل أن يُدفن النبى، وقالوا إنهم أحق من المهاجرين، لأنهم كثرة، والمهاجرون قلة ثم إنهم (المهاجرين) طارئون عليهم فى ديارهم، ثم عاجلهم «أبوبكر وعمر» ورفضا مع المهاجرين قبول خلافة سعد بن عبادة الأنصارى، وبعد شد وجذب اختير «أبوبكر»، ولم يبايعه على بن أبى طالب، وتهكم حسرة أن استند «عمر وأبوبكر» على الدفع أمام الأنصار بأحقية قريش بالخلافة، قائلاً: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. يقصد نفسه، ولم يبايع «أبا بكر»، حتى توفت زوجته «فاطمة»!
كما أن «عمر» أتى منزل «على» وبه «طلحة والزبير» ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم الدار أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج «الزبير» مصلتاً بالسيف، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه وأخذوه أو قال لهما فى رواية أخرى «والله لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان».
هكذا نتيقن أن الإسلام لم يأتِ بذكر للخلافة ولا للخليفة، بدليل أن «عمر» يهدد «على» وصاحبه إن لم يبايعا «أبا بكر»! هل كان ممكناً أن يفعل «عمر» ذلك، ويوجد فى القرآن أو السنة حول هذا الأمر أمر؟
إن الأمر لا يعدو أن يكون شأناً دنيوياً وعصبية واجتماعاً وسياسة لا علاقة له بالدين إلا الاحتكاك باسمه.
أثناء خلافته قال «عمر» لـ«ابن عباس»: إن الناس كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، وإن قريشاً اختارت لنفسها فأصابت!
والحقيقة كما يقول عباس العقاد إن انتهاء مسألة الخلافة بعد النبى بسلام لا يعنى أنها من المسائل التى يؤمن فيها الخطر وتمتنع فيها الفتنة، إذ الحقيقة أن انتهاءها على هذا النحو أعجوبة من أعاجيب التاريخ.
وهذا يؤكد أن الإسلام لم يسعَ لدولة ولم يطلب من أحد إقامتها باسمه.