وعد الله بحفظ دينه القائم على توحيده نقياً عن الإضافات البشرية كما قال سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر: 9)، وجعل الله هذا الحفظ بتجديد بعثة الرسل حتى خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء: 25). ثم بيّن خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم كيف يكون هذا الحفظ فى أمته إلى قيام الساعة بما أخرجه أبوداود بإسناد صحيح عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، واختلف الشراح هل يكون التجديد فى الدين ببطل فذ يظهره الله على رأس كل مائة سنة، أو يكون بمجموع اجتهادات المخلصين فى تطهير دين الله من الإضافات الفكرية البشرية التى تنشأ من إفرازات أوصياء الدين وتتراكم على مدار مائة سنة ويظنها الناس ديناً وما هى بدين، كما قال سبحانه: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (البقرة: 170)، وقال جل شأنه: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (المائدة: 104).
وسواء قلنا بأن حفظ دين الله عن الإضافات البشرية وتجديده بدعوة التوحيد لله بدون وصاية دينية من أحد سيكون فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل مائة عام من شخصية مصطفاة أو من مجموع المجددين فإن الشعب المصرى قد تنفس الصعداء وأدرك اقتراب فوزه هذا العام بمرتبة المائة سنة المجددة لدين الله عندما أعلن الرئيس «السيسى» فى احتفالية المولد النبوى الشريف صباح الخميس 10 ربيع الأول 1436هـ الأول من يناير 2015م عن فتح باب الثورة على الفكر البشرى المعتدى على دين الله؛ ليعود هذا الدين صافياً نقياً لكل إنسان يفهمه بفطرته السوية وضميره الإيمانى حتى يتحمل المسئولية استقلالاً كما قال تعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ» (الإسراء: 13)، وما على أهل العلم إلا نقل الدين بحرفه النصى دون تزيُّد، فإن أضافوا شرحاً أو تفسيراً وجب عليهم الإفصاح بأنه نتاج اجتهادهم البشرى يخضع للقاعدة الفقهية التى أبانها الإمام الشافعى عندما قال: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب». وبهذا تنتهى أسطورة «المفكر الإسلامى» و«المرجع الإسلامى»؛ لأن كل أحد فى دين الله الحق سيكون مفكراً لنفسه ومرجعاً لذاته، كما قال تعالى: «قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِى رَباً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (الأنعام: 164)، وأخرج الإمام أحمد بإسناد حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لوابصة بن معبد: «استفت نفسك استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». هذه الحالة من الفكر الجماعى والمرجعية الجماعية هى التى تجعل الدين لله كما أمر فى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله» (الأنفال: 39)؛ إذ يكون لكل أحد مثل ما للآخر فى دين الله، وتسقط أقنعة المتألهين فى الأرض والصائدين للبسطاء والمغلوبين حتى أضلوهم عن توحيد الله بتبعيتهم لدرجة العبادة باسم حماية الدين كما قال سبحانه عن أمثالهم فى الأمم السابقة: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله» (التوبة: 31).
إن أوصياء الدين سيحاولون بكل ما يملكون من أساليب ولو غير شريفة مقاومة ثورة المصريين التى فتح بابها الرئيس «السيسى» على الفكر البشرى المعتدى على دين الله لتنقيته حتى يحافظوا على مكاسبهم الرخيصة من استعباد العوام وابتزاز السلطة الحاكمة لمجرد امتلاكهم زمام هؤلاء البسطاء دينياً، وسيسعى هؤلاء الأوصياء إلى تفريغ نداء تلك الثورة عن مضمونه وتحويله إلى نداء انقلاب على الفكر وليس نداء ثورة عليه.
والفرق بين نداء الانقلاب على الفكر وبين نداء الثورة عليه هو فى نطاق المخاطبين، فالانقلاب يكون من زعماء دينيين جدد على زعماء دينيين سابقين؛ مما يُبقى الوصاية الدينية على عموم الناس المغلوبين كما هى اكتفاء بتغيير أشخاص الأوصياء، فبدلاً من أن تكون الوصاية الدينية للإخوانيين مثلاً فإنهم يقلبونها إلى السلفيين أو بعض الرموز فى الأزهر، وهذا أقصى ما يقبله تجار الدين وأوصياؤه فى الفكر والتجديد الذى يقع فى كل مائة عام.
أما الثورة فإنها تكون من كل الناس فى الدولة (الشعب) لصالح الجميع؛ فلن تنتقل الوصاية الدينية من فئة إلى فئة كما فى الانقلاب، وإنما ستنتهى الوصاية الدينية عن المكلفين (البالغين العاقلين) نهائياً؛ ليتولى كل إنسان مكلف زمام نفسه، فيقتنع بحسب مقاس عقله وليس عقل شيخه، ويستوعب بحسب إدراك نفسه وقلبه وليس بحسب إدراك غيره، كما قال سبحانه: «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 286).
إن نجاح المصريين فى ثورتهم الفكرية على أوصياء الدين يعنى انتصار كرامة الإنسان المصرى فى صلته بالله والمقررة فى عموم قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ» (الإسراء: 70)، كما يعنى انتصار دين الله من محاولات الاحتكار التى يمارسها الأوصياء المشاغبون، وقد كتب الله عز وجل النصر ونعمة الثقة فى النفس لمن ينصر دينه كما قال سبحانه: «إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» (محمد: 7).
ويجب التأكيد بأن الثورة الفكرية المعلن عن فتح بابها ليست ثورة على الدين كما سيحاول الأوصياء الشغب بذلك، وإنما هى ثورة لصالح الدين ونصرته بتنقيته من فكر البشر الذين يريدون منا تقديس أفكارهم كتقديسنا لله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنها ثورة الكرامة للإنسان المصرى، كما أنها ثورة الانتصار لدين الله والتى بنجاحها يتأهل المصريون فو عمومهم لنيل شرف من يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة لتجديد دين الله الخاتم.