منذ عدة سنوات دعيت إلى مؤتمر عالمى فى القاهرة لبحث تجديد الخطاب الدينى، حضره قيادات دينية من حوالى 70 دولة، سواء دول ذات أغلبية سكانية مسلمة مثل الدول العربية وبعض دول شرق آسيا، أو دول بها أقلية مسلمة مثل أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، على مدار ثلاثة أيام تم عرض عدد هائل من الأوراق البحثية حول تجديد الخطاب الدينى، لكنى فى الحقيقة سمعت تكرار هذه الكلمة عشرات المرات، لكن بلا محتوى حقيقى يقودنا نحو خطة واضحة أو آليات محددة للخطاب الدينى، الجميع التزم بالعنوان كمقدمة لورقته لكن الورق سار فى اتجاهات أخرى مفرغة من محتواها.
الآن نحن فى أشد الحاجة للعمل الجاد على نسف ما يسمى بالخطاب الدينى الحالى وليس تجديده، وهنا من المهم تأكيد أن الخطاب الدينى ليس الدين، فنحن لم نعد قادرين على تأكيد أن الإرهاب ليس له علاقة بالدين، وأن هذا ليس الدين الإسلامى، حيث يتم استنزافنا فى هذا الخطاب الذى أصبح مسيئاً للدين نفسه، نحن بحاجة إلى خطاب تنويرى جديد يبنى على روح قيم وأخلاق الإسلام، وهو أمر هام لا بد أن يكون ممنهجاً فى حين يشهد العالم انتشاراً واضحاً للتيارات الأصولية، وهى التيارات التى تتمسك بالتفسير اللغوى الحرفى للنصوص، ورفض كل تفسير جديد لهذه النصوص يكون مبنياً على نظريات العلم الحديث، بذريعة أن السلف هم الوحيدون القادرون على استخلاص الأحكام الدينية، وتعد هذه الأصولية إحدى أهم المشكلات التى تواجه الدين الإسلامى نفسه.
ونظراً لغياب جهود حقيقية مخططة نجحت الأصولية فى بسط نفوذها نتيجة أمية قطاع عريض من العرب والمسلمين لقواعد اللغة العربية التى كُتب بها التراث الإسلامى، وأصول الفقه فضلاً عن التعقيدات السياسية التى صاحبت التاريخ الإسلامى، وقدموا تفسيراً سطحياً انتقائياً للدين وللتراث الإسلامى فانتقوا منه ما يدعم رؤيتهم وحجبوا ما لا يدعمها، كما تم الخلط بين الدين وعادات الصحراء ما قبل الإسلام، وقدموا تصوراً يخلط بين العبادات والمعاملات ويرفع حتى أكثر الآراء سطحية إلى درجة المقدس، وركزوا على المرأة كرمز هوية وإثبات وجود لهذه الجماعات بالتضييق عليها وتحديد دورها وحدود وجودها بأنها لا تخرج من بيتها إلا مرتين، مرة لبيت زوجها ومرة لقبرها ولا ترى أحداً ولا يراها أحد، فى تصدير لصور عنصرية جاهلية قميئة.
ومما ساهم فى دعم المد الأصولى ظهور قوة النفط فى سبعينات القرن الماضى، الأمر الذى ساهم فى بناء مساجد فى كثير من دول العالم وبدلاً من العمل على الخطاب الدينى لنشر سماحة الإسلام تحولت إلى مرتع لأفكار مخالفة للدين وكأنها تنشر ديناً جديداً وتجمع أموالاً باسم الدين تسهم فى تمويل الفكر المتطرف.
أتذكر مهمة عمل فى لندن صادف رمضان، ودعانى بعض الإنجليز للإفطار فى أحد المساجد وذهبت وكلى آمال أن أتعرف على المجتمع الإنجليزى المسلم، وللأسف لم أشعر بالغربة فى حياتى وعدم الارتياح بقدر ما شعرت فى ذلك اليوم، حيث مجموعات متفرقة منغلقة على نفسها، هذا إيرانى وهذا جزائرى وهذا باكستانى وغيرهم، مجموعات ضربتها كل أمراض السياسة والفرقة فى بلادها الأصلية، وامتدت حتى للأجيال الجديدة، لم يبق لها من الدين سوى اسم تحت راية سوداء.