كنت أعتز دائماً بمهنية وحرفية وعقلانية الإعلامى تركى الدخيل، خاصة فى برنامجه «إضاءات» على قناة «العربية»، وأعتبره واحداً من أفضل المحاورين العرب، يجتهد فى تحضير مادة برنامجه بكل جدية وموضوعية، لذلك صُدمت عندما قرأت مقالته أمس فى جريدة «الوطن السعودية» تحت عنوان (أيها المصريون: «فشوا غلكم من بعض على غيرنا»!)، لمحت فيها لغة غريبة على الكاتب، لغة متشنجة ومفردات عصبية متعالية، بالطبع الجرائد السعودية والمصرية أيضاً بها تعليقات كثيرة من هذه النوعية، لكنها لا تثير الدهشة أو الاستغراب، لأنها غالباً من أقلام ليست لها قامة أو ثقل، ولكن الصدمة تأتى حين يكون الكاتب من نوعية تركى الدخيل، الذى كنا نراهن عليه كمثقف سعودى مستنير يستطيع رأب الصدع وترميم ما حدث من تدمير عقلى نتيجة انتشار الأفكار المتطرفة التى لم تفرق بين مصرى وسعودى، وليست مصادفة أن يكون رئيس تنظيم القاعدة سعودياً ونائبه مصرى!!، فهذا هو الحصاد الذى جنيناه من سيطرة فكر التكفير والجهل والتخلف.
كتب تركى الدخيل فى مقالته «لن نسمح بأن نكون شماعة يعلق عليها المختلفون من إخواننا المصريين، كل عيب يرونه فى بلادهم....أيها الإخوة المصريون، نحن نقدر وشائج القربى، وعُرى الصلة، لكننا لن نسمح لأحد بأن «يفش» غله من وطنه فى وطننا، ورموزنا، وممثلياتنا فى الخارج، فهذا تصرف الرعاع، ومنطق الغوغاء» !!!.
المصريون ليسوا رعاعاً ولا غوغاء يا أستاذ تركى، هذه ليست صحافة ولكنها نوع من الردح الإعلامى!!، من العيب والعار أن تكتب مثل هذا الهراء، انتقد كما شئت، وعلق كما شئت، ولكن أن تتهمنا بأننا رعاع فهذا ردح مكانه غرز المخدرات لا وسائل الإعلام، عيب أن ينزلق قلمك إلى هذا الحضيض والسباب، لماذا لم تنتقد سياسة الكفيل السعودية التى هى امتداد لسياسات الرق والعبودية؟ لماذا لم تدعُ إلى تعديل نظام القضاء السعودى لكى يتحول إلى قضاء مستقل مدنى بعيداً عن أمزجة الشيوخ ؟! مصر يا أستاذ تركى صنعت ثورة وما يحدث فيها الآن من التوابع الطبيعية لهذه الثورة، ومظاهرات أى بلد لا تعنى بالضرورة أن هذا البلد بلد رعاع، وإلا كانت أمريكا بمظاهرات وول ستريت بلد رعاع، وبريطانيا بمظاهرات وشغب مشجعى كرة القدم بلد رعاع!! والسؤال: لماذا لم نطلق نحن حين اقتحم جهيمان العتيبى المسجد الحرام - وليس مجرد سفارة - وقتها وصف الرعاع، بل وضعنا الحدث فى سياقه.
نحن لسنا رعاعاً يا أستاذ تركى ولكننا شعاع أضاء المنطقة كلها، ومعلمون متحضرون واسأل كل طالب سعودى علّمه مدرس مصرى.
المصريون ليسوا رعاعاً ياتركى.