يسد سيد قطب كل سبل التفكير والنقد لأفكاره، ويعلن بوضوح أنه ليس بحاجة لعقل بشر أو الحوار مع بشر أو إقناع أحد من البشر، وذلك لأن ما يقوله ويؤكده هو الحضارة وهو الحق وهو الإسلام.
ألا يعنى هروبه من الأسئلة الحرة ومن أى حوار لتمحيص أفكاره تقليداً يتبعه الدينيون عموماً دائماً أم ذلك لأن نظريته تقوم على أعمدة من الهواء؟
يرى سيد قطب أن حالة الجهاد «بمعنى استخدام القوة التى يسميها السيف مبدئياً وكأساس إلى جانب البيان لإخضاع العالم كله والأرض كلها للإسلام» هى الحالة الدائمة المستمرة، بينما السلام أو المعاهدات السلمية هى الحالة العارضة المؤقتة يقول «الجهاد هو الشأن الدائم لا الحالة العارضة». ثم إنه يسخر من هذا السلام الذى هو المعاهدات مع الكفار «الإسلام لا يقصد تلك السلم الرخيصة، إنما يريد السلم التى يكون فيها الدين كله لله»، وهذا يستدعى كما يوضح «حتمية الانطلاق الحركى للإسلام بالسيف» ولا لبس فى كلامه إطلاقاً إذ يؤكد «الذى يدرك طبيعة هذا الدين يدرك حتمية الانطلاق فى صورة الجهاد بالسيف». يسخر سيد من الإسلاميين الذين يتخذون موقف الدفاع «ويدرك أن الجهاد الإسلامى لم يكن حركة دفاعية بالمعنى الضيق الذى يفهم اليوم من اصطلاح الحرب الدفاعية كما يريد المنهزمون أمام ضغط الواقع وأمام هجوم المستشرقين الماكر»، وكانت حركة الجهاد فى الإسلام التى لم ولن تنتهى طبقاً لسيد حتى يخضع البشر فى الأرض كلها «حركة اندفاع وانطلاق لتحرير الإنسان فى الأرض ولكل مرحلة وسائلها المتجددة» ويقبل كلمة دفاع مضطراً وعلى مضض «إذا لم يكن بد أن نسمى حركة الإسلام الجهادية دفاعية فلنغير مفهوم كلمة الدفاع ولنعتبره تحرير الإنسان ذاته ضد جميع العوامل التى تقيد حريته وتعوق تحرره»، وهو بهذا التوسع فى المعنى يتصور أنه يعطى شرعية للحركة وللجهاد «نستطيع بالتوسع فى الكلمة أن نواجه حقيقة بواعث الانطلاق الإسلامى فى الأرض بالجهاد»، ما دامت إعلاناً عاماً لتحرير الإنسان من العبودية للعباد فى الأرض كما يقول!
وبنظرة واحدة على العالم الآن وفى تاريخنا الإسلامى القديم ندرك أى إنسان عاش ويعيش عبداً!
ويصف سيد زملاءه، الذين يصفون حروب الإسلام بأنها كانت دفاعية، بالمهزومين أمام الواقع الحاضر، وأن محاولتهم إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامى وبحثهم عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامى كانت لصد العدوان عن الوطن الإسلامى سذاجة وقلة إدراك. الجهاد ليس حرباً دفاعية بل قلب الإسلام وذاته «بواعث الجهاد ينبغى تلمسها فى طبيعة الإسلام ذاته»، وتساءل مستنكراً لو كان أبوبكر وعمر وعثمان أمنوا عدوان الفرس والروم، أكانوا يقعدون عن دفع المد الإسلامى لأطراف الأرض؟
يقول عاشراً «الجهاد ضرورى للدعوة سواء كان دار الإسلام مهددة أم لا». والجهاد مقصود به الحرب والقتل أساساً، لأنه يسخر من الدعوة بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة التى يسميها بالبيان، ويستخف بوصف البيان غير الكافى لنشر الإسلام بالفلسفى النظرى «ولا يكفى البيان الفلسفى النظرى»!
قيام مملكة الله فى الأرض «لا يتم بمجرد البيان والتبليغ، وإلا فما كان أيسر عمل الرسل فى إقرار دين الله فى الأرض، فهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل صلوات الله عليهم وتاريخ هذا الدين»، قناعته التامة أن الأديان لم تنتشر إلا بالقوة وبالسيف وبالقهر والإخضاع والإلزام ولذلك هو يستكمل العمل العنيف والعدوان مبدئياً وأساساً لنشر الدين «لم يكن للإسلام أن ينطلق فى الأرض لإزالة الواقع المخالف بالبيان».
والسؤال من أين أتى سيد بهذه الأفكار؟