«الوطن» تعيد نشر تحقيق: "مافيا التلاعب في بنديرة التاكسي"
صورة من المظاهرات خلال الأيام الماضية
في يوم 18 يناير 2015 نشرت الوطن تحقيقا عن "مافيا البونديرة" الذين ينحرفون عن مسار العمل الشريف لسائقي التاكسي، ويستغلون أساليب غير شريفة لتحصيل جنيهات قليلة من الركاب.وبعد اشتعال الأزمة بين سائقي التقصي وشركات الأجرة الخاصة "أوبر" و"كريم"، تأخذ "الوطن" كالمعتاد صف المواطن، وتعيد نشر هذا التحقيق لتوعية الركاب من الوقوع في فخ المستغلين الذين يشترون بثقة المواطن ثمنا قليلا، ويسيئون لغيرهم من الشرفاء في هذه المهنة الحيوية.
دكاكين صغيرة مملوءة بالأسلاك وعدادات التاكسى القديم منها والحديث، تصطف أمامها سيارات التاكسى الأبيض، وعلى أبوابها لافتات متآكلة ملطخة بالأتربة والشحوم ممهورة بعبارة: «ورش لإصلاح عدادات التاكسى»، فى ظاهرها «إصلاح»، وفى باطنها «تزوير» و«تلاعب» فى العدادات لزيادة «بنديرة» التاكسى عن التعريفة المقررة، ارتبط عملها بـ«الغش» مع دخول التاكسى الأبيض مصر فى أبريل 2009.. «الوطن» اخترقت ورش تزوير عدادات التاكسى، لتكشف طريقة التلاعب فى تلك العدادات داخل الورش التى امتهنت التزوير، لتحقيق عائد أعلى لقائدى سيارات الأجرة.
«الوطن» اصطحبت سائق تاكسى لإحدى تلك الورش، تقع على الجهة الأخرى من كورنيش النيل بالوراق، داخل دكان صغير، تستقر فوقه لافتة ملطخة بالأتربة مسجل عليها «الورشة الفنية لإصلاح عدادات التاكسى»، يجلس «س. م» بملابسه الرثة المهترئة، الملطخة بسواد الشحم.. يخرج الشاب العشرينى حين يهدأ هدير محرك أحد السيارات بالقرب من المحل، يتقدم خطوات فيما يقبل نحوه السائق: «عايز أظبّط الحكاية شوية، الموضوع ما بقاش نافع، ومش بيجزى مع الواحد»، يرد الشاب: «عنينا يا أسطى»، يخلع عنه بعض الأسلاك التى تصله بالسيارة، ويبدأ فى الدخول لبرنامج التشغيل «السيستم»، يضغط على بعض الأرقام التى يحفظها عن ظهر قلب، فهى مفتاح وسر الصنعة الذى لا يكشف عنه لأحد مطلقاً، يسأل السائق: «عايز 200 متر بكام؟» فيرد السائق: «نخليهم بنص جنيه».
«الوطن» تحاور صاحب ورشة يرفض التزوير «م» الذى تحتفظ «الوطن» باسمه، تمرس فى تغيير «بنديرة» عداد التاكسى وفق أهواء السائقين، فورشته تعد قبلة للسائقين الراغبين فى «الغش» وزيادة الأجرة، فلا يعصى عليه «عداد» حسب قوله: «مفيش عداد مشفر ولا مش مشفر يقف قدامنا»، ينتظر ملياً، ويتابع: «العداد ده جديد»، فيرد السائق: «لا مش جديد»، نسأله: «ماله الجديد؟»، فيرد بصوت خافت وحذر ملفت: «الجديد بقى مشفر، ولو عايز تغير بنديرة السياحى، هيتكلف فك الشفرة 200 جنيه»، يعاود السائق للحديث قائلاً: «ليه يا عم ما أنا فكتها عندك من كام شهر بـ80 بس»، فيرد صاحب الورشة: «زمان غير دلوقتى، الحكومة خلت الشركات الكورية اللى بتصنع العدادات تعمل لها شفرة، فبنبدل بوردة العداد الجديد ببوردة قديمة عشان نقدر نغير بنديرة السياحى».
[FirstQuote] «السياحى» هو الزر الخاص بالسياح، ويكون له إشارة على العداد برقم «3»، وهو وفق «البنديرة» المقررة من مجلس الوزراء، يكون ضعف «البنديرة» العادية المستخدمة بشكل عام، والمقدرة بـ140 قرشاً للكيلومتر الواحد، ولا يكتفى أصحاب ورش العدادات بتغيير قيمة تعريفة السياحى فقط وزيادتها وفق طلب السائق، ولكن التزوير يشمل أيضاً الزر العادى المشار له برقم «2» على شاشة العداد «الأخضر» والمعروف بين السائقين بالعداد «الحصان»، وهو المرفق دائماً بالسيارات ماركة «فيرنا»، أما أصحاب السيارات «بى واى دى»، وباقى ماركات السيارات الأخرى، الخاصة بالتاكسى الأبيض تشتريه دوماً لتستبدله بالعداد «الأحمر»: «الأحمر سهل التزوير وصعب على الزبون يكشفه بسهولة»، يقولها «م» لـ«الوطن»، شارحاً بخبرته العدادات التى يستخدمها السائقون الآن.
ينتهى «م» من زيادة بنديرة العداد، فى دقائق، فهو سبق أن فك شفرته، فمن السهل عليه تغيير البنديرة دون معاناة، فقط يضع أحد المفكات فى مدخل بالجانب الأيمن للعداد، ويزيد ما يحلو من قيمة «البنديرة»، يعود إلى داخل «الورشة» يجلس خلف مكتب خشبى متهالك، ويقول بوجه مكفهر: «إحنا بنتعب أوى فى فك شفرات العدادات الجديدة، و200 جنيه مش كتير، بالنسبة لو حبيت تشترى عداد قديم المفكوك شفرته، ده وصل تمنه ألف جنيه، وعندى برضه وأظبطهولك زى ما أنت عايز»، وبسؤاله عن الرقابة عليه.. رد باستهانة: «ماحدش ليه عندى حاجة وماحدش يقدر يقربلى، أصل هيعرف إزاى؟ أنا بفتح العداد وأظبطه.. لا مرور ولا غيره».
عداد لم يسلم من تلاعب وغش بعض السائقين كان الشاب العشرينى قبل وضع المصنع شفرة جديدة يغير البنديرة من خلال «فلاشة» حصل عليها من المستورد، مشيراً بيده إلى مدخل بالجانب الأيمن للعداد ويقول: «كنا بنحط الفلاشة هنا ونغير السوفت، نمسح بيانات العداد ونحط بيانات جديدة ونظبطه زى ما إحنا عايزين وعلى أى سعر أنت عايزه، بس ده كان زمان بقى، لكن دلوقتى لازم تغيير البوردة كلها، عشان نقدر نستخدم الفلاشة».
يؤمن «م» بأن مع تطور قدرة الشركات الكورية المصنعة على إغلاق العدادات، تتزايد قدرته على «اختراع أفكار جديدة لتغيير البنديرة وكل فكرة وليها تمن»، وأن المشكلة التى خلقتها الشركة المصنعة فى تغيير نظام العداد، هى صعوبة زيادة تعريفة «السياحى» فقط ويقول: «بس العادى زى ما هو، أقدر أغير لك فيه زى ما أنت عايز، ودى بـ20 جنيه بس، أعليها لك زى ما أنت عايز، والسياحى بـ200 جنيه».
وخوفاً من وقوع السائقين المترددين عليه فى قبضة رجال المرور: «هما مش بيفتشوا على العداد، بس إحنا لازم نعمل الصح مع الزبون، فعملنا اختراع جديد»، تسأل «الوطن» عن تلك الطريقة التى لا يستطيع رجال المرور ولا الزبون كشفها: «مالكش فيه بقى ليك إن ماحدش يقدر يكشف إن فى غلط فى العداد»، وبعد إلحاح كشف «م» الطريقة التى يغير فيها من حسابات العداد للكيلومتر الواحد، ففى الوقت التى تقتطع فيه السيارة 800 متر، يحسب العداد أنها قطعت كيلو متر واحد، وهو ما يزيد البنديرة بمعدل ثمن 200 متر، فى كل كيلومتر واحد، ما يعنى أن يزيد ثمن الكيلو المقدر وفق التعريفة بـ140 قرشاً، إلى أكثر من 170 قرشاً «كده لو الزبون عمل قرد، ولا بتاع مرور، ما يقدرش يقول عدادك فيه مشكلة، لو حسبها بالورقة والقلم هيلاقيها مظبوط».. دقائق يتلاعب فيها «م» فى العداد، ومن بعدها: «الدنيا كدة مظبوطة»، يحاسبه سائق التاكسى، يُقبّل النقود ويضعها على جبهته شاكراً ربه ويضعها فى جيبه. على بعد نحو 5 كيلومترات فقط بالقرب من ميدان «الكيت كات»، وبجوار عدد من ورش صيانة السيارات وتغيير الإطارات، يجلس «ت. ن» داخل ورشته التى لا تتعدى مساحتها أكثر من 10 أمتار، والتى تزدحم بـ«كراكيب» وقطع غيار سيارات وعدادات تالفة وأخرى سليمة، اتجهنا إليه بدعوى أننا سائقو التاكسى هذه المرة، سألناه أن يفتح لنا العداد ويزيد التعريفة، رفض الطلب عاقداً ما بين حاجبيه وهز رأسه رافضاً، وأصدر آهة رقيقة، قائلاً بامتعاض: «حرام يا عم أنا بطلت الحكاية دى، البيت عندى فيه مشاكل وأمى تعبت، ابعدنى عن القصة دى الله يخليك»، أبدى شعوره بالحزن والندم على تلاعبه أو بيعه 700 عداد مفتوح جاهزة لتغيير التعريفة بالزيادة أو النقصان، فمنذ شهور قليلة ساءت أحوال أسرته ومرضت والدته التى يرعاها، فعقد العزم على ألا يتلاعب فى أى عداد آخر. لم يتوقف «ت» عند عدم التلاعب فى تعريفة العداد، وتعويضاً عما جناه بـ«الحرام» كبّد نفسه ألف جنيه لشراء آلة غلق العدادات لعدم التلاعب بها مستقبلاً «أنا طلبت من الشركة أقفل العدادات، واشتريت فلاشة بـ150 دولار علشان أقفل العدادات وماحدش يعرف يفتحها من بعدى، أصل السكة دى حرام».
فى ورشة أخرى لصيانة السيارات فى مسطرد بشبرا الخيمة، يجلس أحمد سلام بلحيته الكثة، وسمرة وجهه، والشيب السارح فى شعره الأشعث، بين الأسلاك المتشابكة، والمعدات المتناثرة على منضدة خشبية متهالكة، فالرجل القابع داخل ورشته، يرفض دائماً التلاعب فى عدادات التاكسى، والانصياع لمطالب السائقين، وهو ما يوقعه فى مشاكل: «بعد ما بصلح العداد لو فيه عيب وأعمله نظام جديد، ييجى السواق يتخانق معايا ويقولى عدادى كدا باظ أنت رجعته زى الأول ومبقتش أعرف أظبط البنديرة براحتى».
[SecondQuote]
«سلام» يعمل بمهنة صيانة السيارات منذ عشرين عاماً، ويتمرس بتلك المهنة التى يحبها، ويسعى لمحاربة الورش التى تسىء لسمعتها بـ«التزوير» فى عدادات التاكسى من أجل الأموال: «أكتر من 50% من الورش بيلعبوا للسواقين فى البنديرة، و75% من السواقين بيلعبوا فى العداد»، ورغم وقوعه فى العديد من المشكلات جراء رفضه لمطالب السائقين بالتلاعب فى التعريفة الرسمية، فإنه يُصر على الاستمرار فى طريقه، بل وحين يأتى إليه أحدهم بالعداد لإصلاحه «هما عارفين إنى الوحيد اللى أقدر أصلح العداد مظبوط لأنى شاطر فى مهنتى»، لا يكتفى بإصلاحه فقط بل يضيف له شفرة تمنع السائق من التلاعب فى التعريفة «بس لو راح لورشة تانية من الورش معدومى الضمير هيفكله الشفرة بسهولة وكله بتمنه».
ليست الرقابة والتفتيش الدائم هى الحل لإيقاف عمليات التزوير فى «بنديرة» عداد التاكسى، ولكن ما تسمى بـ«دورة العداد» حسب قول «سلام» فى المرور، هى إحدى الوسائل لضبط المزورين فى تعريفة التاكسى: «زمان أيام التاكسى الأبيض فى أسود، كان فيه حاجة فى المرور اسمها دورة عداد، كان أمين الشرطة بياخد السواق فى جولة محسوب تعريفتها مسبقاً، عشان يعرف صلاحية العداد للشغل، وسلامته، وعدم تزوير التعريفة، دلوقتى لغوا دورة العداد والتزوير بقى على ودنه وماحدش بيفتش لا علينا ولا على السواقين».
أجهزة فك الشفرات التلاعب بـ«البنديرة» حسب حديث «سلام» لـ«الوطن» يكون فى الكيلومترات أو فى الثمن، فالتعريفة المقرر أن تكون 200 متر بـ28 قرشاً، يتلاعب الفنى فى ورشة إصلاح العدادات بالترقيم بحيث يتم إضافة 28 قرشاً كل 170 متراً، علاوة على إمكانية التلاعب فى توافق العداد مع عدد لفات إطار العربة «مثلاً فى الفيرنا عدد لفات الكوتش 2500، ولازم العداد يتظبط عشان يتوافق مع لفات العربية، يتظبط لفات العداد مع لفات الفتيس»، ولكن يمكن للورشة تزوير وضبط العداد على عدد لفتات أكبر، وهو يدفع للعداد بحساب الكيلو فى نفس الوقت التى تكون السيارة قطعت 800 متر فقط. يستخدم «سلام» وزملاؤه من أصحاب الورش جهازاً أسود اللون «رقمى» يوصل به العداد، لتغيير «السوفت وير»، وهو نفسه الذى يستخدم فى تغيير البنديرة، فضلاً عن الفلاشة التى تستخدم فى فك الشفرة «دى أدوات لازم تكون مع أى حد شغال فى العداد وفى إيديه يستخدمها فى إصلاح العداد وفى إيده يستخدمها فى تزوير البنديرة»، مشيراً إلى أن بداية ظهور ورش الغش فى البنديرة، جاءت مع ظهور التاكسى الأبيض، وإلغاء «دورة العداد» بالمرور، وأن الحل فى فرض غرامة مالية على أصحاب الورش، التى تزور فى تعريفة عداد التاكسى، وإلزامهم بغلق منافذ اللعب فى العداد، وعمل رقابة على أصحاب الورش، وعدم السماح لأى أحد بالعبث أو الإصلاح لغير ذوى المهنة، وحين يقوم السائق بإصلاح العداد يصرف له فاتورة مطبوع عليها اسم المحل والعنوان وتاريخ الإصلاح، وإلزامهم بعمل «سوفت وير» جديد.
[ThirdQuote] «قفلت العدادات علشان الحكومة مش شغالة»، بهذه الكلمات وصف محمد محسن، أحد المستوردين لعدادات التاكسى الأجرة، الذى لاحظ انتشار ظاهر التلاعب فى تسعيرة عدادات التاكسى الأجرة، خاصة بعد آخر زيادة لأسعار الوقود التى وصلت إلى الضعف «لما الحكومة ما زودتش التعريفة بقيمة تناسب زيادة البنزين اللى وصل للضعف، السواقين فتحوا العدادات ولعبوا فيها وزودوا الأجرة»، الـ50 قرشاً الزيادة فى «فتحة العداد» والـ15 قرشاً زيادة فى تعريفة الكيلومتر، دفعت عدداً من السائقين إلى فتح العدادات والتلاعب فيها بنسبة كبيرة وصلت إلى مرحلة الجشع، إلا أنه لم يستسلم للأمر وأقدم على إيقاف عمليات النصب تلك «أنا لما أسيب السواق يسرق الناس، يبقى أنا بتسرق ما هو ممكن ابنى ولا بنتى يتنصب عليه، اللى ما أرضاهوش على نفسى ما أرضاهوش على حد».
«زمان كان فيه تلاعب فى العداد بس حاجات بسيطة قوى، وناس قليلة اللى ممكن تعمل ده»، يواصل «محسن» قائلاً إنه منذ أن عمل بمهنة صيانة السيارات عام 1968 فى مسقط رأسه الإسكندرية، لم ير انتشار التلاعب فى العدادات بهذا الحجم الكبير الذى دفعه ليقول إن 90% من السائقين يتلاعبون فى تعريفة العدادات الخاصة بسياراتهم، فى ظل تكاسل حكومى، وخاصة إدارة المرور التى أعطت للظاهرة ولعمليات النصب ظهرها «ليه ضابط المرور وهو بيشوف الرخص مايبصش على العداد ويطبع فاتورة ويشوفها مظبوطة ولا لأ، الموضوع سهل فى إيد الحكومة لو عايزة»، فواتير سيارات الأجرة لم تدون عليها كافة البيانات التى نصت عليها وزارة المالية حينما بدأت فى تطبيق نظام الفواتير فى 2011، وهى البيانات التى توفر كل المعلومات عن رحلة المواطن داخل سيارة التاكسى، حيث نصت على كتابة رقم السيارة والمسافة المستقطعة والانتظار والوقت الذى قطعته السيارة فى تلك المسافة «رقم العربية وحده هيخلى السواقين يخافوا هما وأصحاب العربيات لأن ممكن يتجاب بعد ما يمشى، ولازم المواطن يطلب الفاتورة قبل ما ينزل».
هناك نوعان وحيدان من العدادات فى مصر وكلاهما من السهل التلاعب فيه، بحسب قول «محسن»، وهما «جاو» وبلد المنشأ تايوان، و«كورى» وبلد المنشأ كوريا الجنوبية، تقوم على استيرادهما 5 شركات هى «غبور، وسيزر، ومنصور شيفروليه، وحاتم الحيال» إضافة إلى شركته «محمد محسن»، لم تقدم إحدى تلك الشركات على غلق العدادات سوى شركته، حيث أرسل طلباً لشركات التصدير يوضح لهم طبيعة عمل سيارات الأجرة فى مصر، وأفادهم بالبيانات الصادرة عن مجلس الوزراء لكى يتم غلق العداد على البيانات الصحيحة حتى لا يتمكن أحد من فتح العداد أو تعديل بياناته، مشيراً إلى أنه خسر جزءاً من مبيعاته حينما أغلق العدادات «فيه زباين ما بقتش تاخد منى، وعايزة عدادات مفتوحة يتلعب فيها والزباين اللى خدت منى قالتلى إن السواقين بيرفضوا يشتروه لأنه شرعى».
ابن الإسكندرية ينتقد تكاسل الحكومة تجاه أزمة التاكسى الأبيض وما به من عوار سواء فى قيمة التعريفة أو المراقبة على الالتزام بها، مطالباً إدارة المرور بالاهتمام بسائقى التاكسى والمراقبة عليهم، وتطبيق دورة العداد التى تضمن سلامة العداد من أى تلاعب ووضع عليه «رصاصة» أو ختم الإغلاق الذى يحتاج إلى إعادة إغلاقه من إدارة المرور فى حالة فتح العداد لإصلاح أعطاله، بجانب مراقبة التاكسى فى إشارات المرور من وجود فواتير فى العدادات مدون عليها جميع بيانات السيارة، وتوعية المواطنين بالمطالبة بالفواتير للحفاظ على حقوقهم، وحتى لاستعادة أشيائهم التى يفقدونها فى السيارة إن سهوا عنها.
داخل مكتبه الأنيق الكائن بشارع أحمد عرابى بالمهندسين، يجلس عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، بشعره الأبيض، وبشرته البيضاء، وعينيه الواسعتين، يضج مكتبه بالأوراق الخاصة بالجهاز، يحمّل قطاع المرور بوزارة الداخلية مسئولية التفتيش على تلك الورش، منتظراً ما ستجود به الهواتف من شكاوى المواطنين بصدد تلك القضية للتحقق منها: «لحد دلوقتى مفيش مواطن اشتكى من زيادة بنديرة التاكسى، ولا من الورش التى تزور العدادات»، مبدياً استعداده التامة لإغلاق أى ورشة تقوم بالتزوير فى عدادات التاكسى مما يحمل كاهل المواطن أعباءً جديدة «عندى 32 مفتش عندهم ضبطية قضائية ولو جاتلى شكوى واحدة من الورش دى هقفلها فوراً، آه أنا دورى رقابى بس برضه قدراتى محدودة وباشتغل على أساسها وماقدرش أنزل أفتش على العدد ده من الورش».
«يعقوب» يعد أحد المساهمين فى دخول التاكسى الأبيض إلى مصر أثناء عمله فى وزارة البيئة وقتها «يهمنى إن المواطن يدفع تعريفة العداد اللى أقرتها الدولة، أمّال دخلنا التاكسى الأبيض مصر ليه؟ عشان نقضى على عشوائية حساب التاكسى التى كانت منتشرة وقت التاكسى الأبيض فى أسود»، فهو يرفض منطق «المقاولة» التى كان يتبعها سائقو التاكسى قبل دخول التاكسى الأبيض، مطالباً بضرورة وجود حملات مرورية على التاكسى الأبيض لمكافحة ظاهرة انتشار تزوير «البنديرة»، مشيراً إلى أن الجهاز ينتظر شكاوى المواطنين من زيادة تعريفة التاكسى والغش فيها، حتى يتواصل مع وزارة الداخلية للقضاء على تلك الظاهرة.
رئيس جهاز حماية المستهلك ينتظر فى مكتبه شكاوى المواطنين والإدلاء بالمعلومات عن تلك الورش «عايز أى حد عنده معلومة عن أى ورشة يتصل بينا على أرقامنا ويقول لنا عليها»، مشيراً إلى أن مهمة التفتيش على تلك الورش بشكل دورى مهمة مباحث المرور «واللى شاكك إنه دفع بنديرة زيادة يشتكى»، ويقول إنه ليس جهة تفتيش على ورش، و«لكن دورى هو استقبال بلاغات المواطنين، تستقبلها اللجنة العليا للرقابة على الأسواق»، يضيف: «الجهاز لديه قدرة محدودة، وعندنا مباحث المرور والمحليات يقوموا بدورهم»، ويقول إن الجهاز يكمل على شغل إدارة المرور وأن لديه سلطة إيقاف نشاط تلك الورش حين يثبت ضرره بالمستهلكين، مشيراً إلى أنه يحاول تعديل قانون حماية المستهلك لتقنين وضع الحرفيين.
ويقول حاتم وجيه، رئيس نيابة مرور سابق، ومستشار رئيس جهاز حماية المستهلك، إن عقوبة الورش على تزوير عدادات التاكسى الأبيض هى عقوبة الغش التجارى، وتقضى بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات لصاحب الورشة الذى يقوم بالتزوير، أما سائق السيارة فى حالة ضبطه من قبل مباحث المرور فيتم تحويله إلى محاكم المرور، مضيفاً أن التاكسى له توصيف فى قانون المرور وله عقوبة منصوص عليها، ومن ضمن الجهات الرقابية التى من المفترض أن تكون معنية بتلك القضية أيضاً هى مباحث التموين.
من جهتها حاولت «الوطن» الحصول على رد من مساعد وزير الداخلية لإدارة المرور لرئاسته إحدى أكثر الجهات المعنية والمسئولة عن التصدى لانتشار ظاهرة تزوير عدادات «التاكسى»، إلا أنه قدم اعتذارات مختلفة فى كل ميعاد قام هو بتحديده لـ«الوطن»، ليظل الملف مفتوحاً إلى أن يتحرك من يهمه الأمر.