لم يأت سيد قطب بأفكاره الدموية والحرب المستمرة «يسميها الجهاد بالسيف» على العالمين من ابتكار عقله، وإنما من فهمه وتفسيره للنصوص ولمواقف النبى ولتاريخه فى الدعوة فى مكة والمدينة، وتحديداً تلك النصوص والمواقف التى تتعلق بالمسالمة والقتال، ولم يكن مفرداً مبدعاً بل أخذ عن أئمة مقدرين ومعتبرين عند الفقهاء والمشايخ فى المعاهد والمراجع الدينية وما زال أولئك على مكانتهم وأقيمت مذاهب وانتشرت وربت وهم أعمدتها وسندها وهيكلها الأساسى.
ويبدو غريباً أن يُطلب من الأزهر تكفير الإخوان أو القاعدة أو داعش، لسبب بديهى وهو أن الداعين بصراحة وشفافية خالصة للقتل والحرب إنما يتحدثون من رؤياهم وتفسيرهم للدين وبنيته الأساسية وهى لا تخلو من حجة إذا عدنا بأمانة علمية للتاريخ وللمنطق الذى اتبعوه فى الوصول لما انتهوا إليه باستمرار القتل والجهاد بالسيف، ولذا يستحيل أن يتهمهم الأزهر بالكفر وهو الذى كفّر غيرهم أفراداً وجماعات دون أى وازع ودون توكيل منحه له سبحانه، هذا إذا تغاضينا عن أن هذه الجماعات والأزهر يسعون فى نهاية الأمر لهدف نهائى!
علاج التطرف الدينى والإرهاب هو فى نقد وتحليل وتفكيك الأصول والمصادر الأولى التى بنى عليها دون قيد ولا شرط، وهى مهمة لن يساعد فيها الأزهر والأزهريون بإخلاص، ولا بد من حماية قانونية واجتماعية وسياسية لكل من يقوم بهذه المهمة، باعتبار أنها مهمة علمية وتتعلق بحياة ومستقبل الملايين من البشر وتقدمهم، ينبغى أن نعود للنبع الذى أخذ منه سيد لأنه مجرد صبى نقل عن معلميه وأساتذته، وهذا لن يحدث إلا فى ظل دولة ديمقراطية ليست بحاجة للاعتماد على الدين لتكريس السلطة مثل دول الاستبداد.
يرى سيد كما أوضحنا قبلاً أن الإسلام ليس نظرية ثابتة لمشكلات سابقة كما أنه من الخطر والخطل أن يصوغ نظريات منه لأنه منهج متحرك مرن لم يكتمل ولن يكتمل طالما لم يخضع العالم ويصير كله مجتمعاً إسلامياً، ولن يخضع العالمين بمجرد البيان الفلسفى النظرى وإنما أساساً بالسيف، الإسلام عنده منهج مرن يتعامل مع الواقع ويتصرف ويتدرج طبقاً للأحوال قوة أو ضعفاً، وحسب ما ينتجه التعامل انتفاعاً أم ضرراً (كل نمو نظرى يسبق النمو الحركى الواقعى خطأ وخطر).
وقد وصل لهذه النتيجة استناداً إلى أن القرآن كان ينزل ليواجه واقعاً ويخاطبه حسب الحالة! وكذا من سرده لموقف النبى وسيرته فى مكة والمدينة، فحين كان وحيداً ضعيفاً تصرف بطريقة غير التى تصرف بها منتصراً متمكناً.
واستند إلى بن القيم الذى قال إن الدعوة بدأت بـ«اقرأ» ويا أيها المدثر ثم أمره الله «أن ينذر عشيرته المقربين ثم أنذر قومه ثم من حولهم من العرب ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد النبوة ينذر دون قتال ولا جزية ويؤمر بالصبر والصفح ثم أُذن له بالهجرة ثم أمره بقتال من قاتله ويكف عمن لم يقاتله ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله».
وقسم سيد استناداً إلى ابن القيم تعامل النبى مع الكفار إلى أهل صلح وهدنة مؤقتة على كل حال، استناداً للمبدأ الرئيسى وهو ضرورة خضوع الجميع ُثم أهل حرب، ثم قتال أهل الذمة «جاهليين وكفار» فإما أن يدفعوا الجزية وإما أن يسلموا، واعتمد على تفسيره لسورة براءة التى أمرت بقتال الجميع فصار أمر الكفار مع النبى إلى ثلاثة أقسام «محاربين له وأهل عهد وأهل ذمة» ثم صار أهل العهد الذين أُمهلوا أربعة شهور إلى الإسلام وصار المحاربون إلى الخوف منه وهكذا صار أهل الأرض إلى مسلم مؤمن به حتى ولو بالتهديد والقتال ومسالم له آمن ومحارب خائف أما المنافقون فتقبل علانيتهم وليسوا مطالبين بالتزامات مادية.