عايـــزاه حى أو ميت
لا جديد فى مأساة هذه العجوز.. مرت 5 أشهر، نفس المشوار، للسبب نفسه، تقطعه يومياً مع اختلاف الوجهة.. السؤال نفسه، الإجابات نفسها تقريباً، مؤلمة ومحبطة، لكنها لم تيأس، تبكى: «هسيبه.. ده ابنى البكرى.. كبدى من جوه» تبتلع ريقها: «عايزة أعرف هو فين، عايزة أعرف مصيره.. حى أو ميت».[FirstQuote]
اسمها «فايزة على سلامة» عمرها 60 سنة، فى عينيها دموع لا تفارقهما مثل حقيبتها التى تحملها كل صباح بداخلها دوسيه يحتوى على جميع الأوراق الخاصة بابنها «محمود مصطفى» 27 سنة وصوره، تخرج فى السابعة صباحاً متوجهة إلى أقسام الشرطة ومديريات الأمن والمستشفيات والسجون للبحث عن ابنها المختفى منذ 17 سبتمبر من العام الماضى، وتواصل رحلتها اليومية التى تنتهى مع انتهاء العمل فى المصالح الحكومية، لكن بحثها لم يأت بجديد، بعد أن أخبرتها مصلحة السجون ومديرية أمن الجيزة أن ابنها ليس بين المقبوض عليهم على ذمة أى قضايا.
الحزن لا يفارق فايزة على عائل الأسرة الوحيد، فهى دائماً شاردة تفكر فى مصير ابنها الغامض، ولا تعرف هل هو بين الأحياء أم أنه فى عداد الموتى، لكنها تواجه صعوبات مع المسئولين التى تطرق أبواب مكاتبهم ومن هذه الصعوبات عندما يعرفون أنها من سكان منطقة كرداسة، فيتبادر إلى أذهانهم أنها تنتمى وأسرتها إلى تنظيم الإخوان الإرهابى لكنها تسارع بتوضيح موقفها، مؤكدة لهم أن كل ما تريده معرفة مكان ابنها بعد أن تنفى تهمة الانضمام لهذا التنظيم الإرهابى عن نفسها، وتؤكد لهم أن يساعدوها فى الوصول إلى مكان ابنها حتى تستريح من البحث، وتقول لهم فى حالة ثبوت ارتكاب ابنها أى جرائم فلا بد من محاسبته بالقانون، فى حين أن ابنها ليس له أى عداوات مع أى شخص تجعله يفكر فى الانتقام منه بالخطف أو الإيذاء البدنى.[SecondImage]
القصة الغامضة تحكيها العجوز لـ«الوطن» قائلة إنها كانت تجلس بصحبة أفراد أسرتها فى المنزل بمنطقة كرداسة، وفى الساعة الواحدة من صباح يوم 17 سبتمبر الماضى لم يتوقف تليفون ابنها عن الرنين لمدة 10 دقائق، وكان يظهر رقم ليس مسجلاً على هاتفه، وعندما رد على المتصل، عرفت أنه صديق له، وبعد دقائق من التحدث فى الهاتف ارتدى ملابسه وأخبرها أنه سيقابل صديقه فى نفس المنطقة وسيعود خلال دقائق، ثم انصرف قبل أن تعرف اسم المتصل، وعندما تأخر حتى صلاة الفجر بدأت هى ووالده فى الاتصال على هاتفه وكانت تسمع رسالة تؤكد أن الهاتف مغلق الأمر الذى تسبب فى قلقها حتى الصباح واستعانت بأشقائها فى البحث عنه فى المنطقة وعند أصدقاء ابنها الذين تعرفهم لكن دون جدوى، وانتظرت لمدة 24 ساعة من بداية الواقعة وحررت محضر تغيب فى قسم شرطة كرداسة، واستمرت النيابة فى متابعة القضية بعد أن تقدمت بالعديد من البلاغات والشكاوى طوال شهر سبتمبر، وقررت النيابة اتخاذ قرار بالاستعلام عن آخر رقم هاتف تلقاه ابنها على هاتفه، وتوصلت النيابة إلى تحديد هوية صاحب الهاتف وتبين أنه من جيرانهم فى المنطقة، وأصدرت النيابة قراراً بسرعة ضبطه وإحضاره، وتم حبسه على ذمة التحقيقات لمدة 15 يوماً وبعدها قرر قاضى المعارضات الذى كان ينظر تجديد حبسه إخلاء سبيله لعدم كفاية أدلة الاتهام.
وتضيف العجوز بكلمات مملوءة بالحزن والحسرة: ابنى «محمود» لم يكن له أى عداوات لكنه اختفى بعد تسلم عمله كفرد أمن فى مدينة الإنتاج الإعلامى بقرابة أسبوع، بعد أن ترك عمله فى إحدى شركات الألبان بمنطقة السادس من أكتوبر، وأنه استمر فى البحث عن عمل بعد تركه العمل فى هذه الشركة ليوفر للأسرة احتياجاتها الأساسية، فوالده رجل تجاوز الخامسة والستين من عمره، فهو لا يقوى على العمل، وتمكن ابنها من خلال مساعدة أحد الأقارب ويدعى «عبدالرحمن» من الحصول على فرصة عمل فى مدينة الإنتاج الإعلامى لكن لسوء حظه لم يكمل الأسبوع الأول وسرعان ما اختفى، ليترك الحسرة والحزن لجميع أفراد الأسرة، فهو الأخ الأكبر على ولد و3 بنات جميعهم فى مراحل التعليم المختلفة.
وتابعت العجوز أنها لم تترك مكاناً إلا وذهبت إليه وتوجهت إلى سجن وادى النطرون ومديرية أمن الجيزة، ووزارة الداخلية واطلعت على صور جثث المتوفين ولم تعثر على جثة ابنها بين صور المتوفين، وطلب منها المسئولون فى مديرية أمن الجيزة أن تذهب وتوصل رسالتها إلى التليفزيون، لتوجه رسالة من خلال القنوات الفضائية لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب صعوبة هذه المهمة، كما أنها توجهت إلى مكتب المستشار هشام بركات النائب العام وقدمت بلاغاً بالواقعة وطلبت من النائب العام المساعد أن يساعدها فى الوصول إلى ابنها ليطمئن قلبها بمعرفة مصيره حتى تهدأ وتجلس فى المنزل بدلاً من البحث عنه يومياً.
وتنهى الأم حديثها قائلة: «محمود» ابنى كان سندى فى الحياة وسند الأسرة كلها بعد الله سبحانه وتعالى، وأنه لم يكن لديه أى عداوات أو خلافات مع أحد ليختفى بهذا الشكل الغريب والمحير.
وناشدت الأم اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية مساعدتها فى الوصول إلى ابنها ليستريح قلبها.