ذكرت لك غير مرة أن الأطراف التى تتفاعل داخل المشهد العام فى مصر تدير مباراة يمكن وصفها بـ«الصفرية»، يرفع كل طرف فيها شعار «كل شىء أو لا شىء»، والنتيجة الحتمية لمثل هذا النوع من المباريات هى «لا شىء». كل طرف من هذه الأطراف بدأ لعبة، لا يريد أن يضع لها نهاية، أو قُل إنه لا يملك أن يضع لها نقطة نهاية، والصراعات التى يبدأها أصحابها دون أن يكون لديهم تصور عن نهاياتها لا بد أن تكون نتيجتها «صفر».
مشاهد الحياة منذ أن خلق الله الأرض وحتى يرثها ومَن عليها تؤكد حقيقة علمية واحدة هى أنك لو قسمت أى رقم على ما لا نهاية فالنتيجة تساوى «صفر». وقياساً على ذلك فمهما تعددت تفجيرات الإخوان وحرائقهم فإنها ستساوى «صفر» إذا فكروا أن يتواصل هذا الأداء إلى ما لا نهاية، وأى ضربات توجهها الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى الإرهاب سوف تكون محصلتها «صفر»، إذا لم تحترف كيف تميز بين الإرهابى والبرىء، وإذا لم تفهم السلطة التى تحركها أن الأمن وحده لا يمكن أن يشكل أداة ناجحة للقضاء على الإرهاب، ستظل ميليشيات الإخوان ترهب، وقوات الأمن تضرب، دون أن يستطيع طرف القضاء على الآخر وستكون النتيجة «صفر» للجميع. فمهما فعلت «الإخوان» فليس فى مقدورها أن تهزم شرطة وجيش دولة فى حجم شرطة وجيش مصر، ستتواصل ضرباتها بلا نهاية وتكون نتيجتها «لا شىء»، ومهما طاردت السلطة وقبضت على عناصر وحاكمت عناصر وأعدمت عناصر وقتلت أخرى، فليس فى مُكنتها القضاء على الإرهاب الذى يمكن أن يخرج من شقوق الحوارى والأزقة، والقرى والمدن، وأن يغافل الجميع ويضرب من جديد، هكذا بلا توقف، وبلا نهاية، لتسفر كل الجهود الأمنية بما تحمله من كلفة إنسانية لشهداء يسقطون، وكلفة مالية ضخمة تبذل من أجل توفير الأدوات والمعدات، عن «لا شىء» أيضاً.
لم يهب الله أحداً -فى تاريخ البشر- مُلكاً مثل المُلك الذى وهبه لنبيه «سليمان» عليه السلام، فقد دعا «سليمان» ربَّه بذلك كما جاء فى القرآن الكريم: «قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لَّا يَنبَغِى لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِى». وقد كان لـ«سليمان» ما أراد: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ». لقد أنعم الله على نبيه «سليمان» بمُلك لا مثيل له، وسخَّر له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب، وجعل الجن تعمل فى خدمته ما بين بنّاء وغواص، ولك أن تتخيل إنساناً خضع له مخلوقات أخرى أقوى من بنى آدم، فكيف تكون طاعة الأوادم له! كل ما تحقق لـ«سليمان» راح فى لحظة أن مات، وخرّ جسده من فوق العصا التى يستند إليها: «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ». ضعوا نهاية لما يحدث، ولا تتورطوا أكثر فى قسمة الأفعال على ما لا نهاية، لأن النتيجة حتماً ستكون «صفراً».