إذا غابت الأخلاق جاءت العشوائية بأمراضها تسعى وحضرت أعلى تجليات الرذيلة وسلوكيات القبح.. عندما تكون الأخلاق غائبة أو مغيبة أو زائفة، فالناتج هو ما نحن فيه من أخلاقيات رديئة.
رغم النزعة الأخلاقية الواضحة لدى الرئيس السيسى، التى تعلن عن نفسها دائماً، حيث يطالب بها، وآخرها دعوته للثورة على أنفسنا، ورغم أهمية تفشى الخلق القويم فى المجتمع، فإن تحسين الأخلاق لا يأتى بالدعوات أو الخطب والمواعظ.
حسن الخلق ثقافة تراكمية، فالإنسان ناتج بيئته وثقافته. لو كان ما يفعله مؤثماً اجتماعياً أو منبوذاً أو مرفوضاً، فمؤكد سوف يفكر كثيراً قبل الفعل، والمناخ الذى تسود فيه السوءات الأخلاقية هو مناخ جاذب للسيئات فى الخلق والتفكير والسلوك.
الكذب مثلا رذيلة، ولكن لأنه غير مؤثم اجتماعياً أصبح عادة يومية نمارسها كل دقيقة.
والكذب بأشكاله ومستوياته هو جزء من منظومة الأخلاق السيئة التى يمثل «الضعف» أهم أجزاء هذه المنظومة، فالضعيف يكذب وينافق لأنه مصاب بالهشاشة النفسية، ويستطيع الفساد الوصول إليه بسهولة.
والضعف له أوجه كثيرة، فالجهل ضعف والفقر ضعف والقهر ضعف والحاجة ضعف والأغلبية من الشعب المصرى محاصرة بهذا الرباعى المرعب.
ثقافة الزحام هى جزء من سوء الأخلاق، حيث بشر كثيرة وموارد قليلة، وبالتالى الصراعات تشتد والخداع يبدو وكأنه ضرورة.
الفضيلة قد تبدأ من الاقتصاد، وليس بالضرورة أن تبدأ من الدين ومن لقمة العيش، وليس بالضرورة أن تبدأ من المنابر، فلدينا آلاف الخطب المنبرية وكلمات الوعظ الأخلاقية، ولكنها لا تصنع فارقاً.
نظرياً الإنسان يدرك ما هو الصح والخطأ ويفرّق بين الفضيلة والرذيلة، لكن هناك عوامل كثيرة تتحكم فى ثقافة الأخلاق الحسنة، ولهذا تعم الفضائل مجتمعاً، بغض النظر عن الدين، وتغيب عن مجتمعات أخرى.
قصة الدين ومن يلعبون بها فى مجتمعات مثل مجتمعنا المصرى والعربى خلقت التطرّف أكثر مما خلقت التسامح والاعتدال، فالدين فى الذهنية العربية هو العقاب، وبالتالى الامتناع عن ارتكاب المعصية يكون عن خوف وليس عن اقتناع وفكرة، خوفاً وليس حباً واقتناعاً بالفضائل، وهى قضية شائكة.
وبالتالى تبقى المسائل صعبة ومعقدة تختلط فيها الفلسفة بالواقع الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، لكن لو أن الدولة جادة ولديها يقين راسخ بأن الأخلاق عنصر أساسى فى بنائها، فلا بد أن تخلق الحوافز والقوانين الضابطة حتى تكون الأغلبية بها من أصحاب الصدق والاجتهاد والاحترام والعلم، ولكن كيف تكون هناك أخلاق طيبة، وهناك فاسدون فى الأرض يحصلون على الفرصة الأفضل والمكانة الأعلى، فكلما فسدت كلما ارتقت.
لا بد أن تجد الناس قوانين وقوة إرادة جادة للقضاء على الفساد والرذائل وتحسين سلوكيات وأخلاق المجتمع. مؤكد أن الناس تبحث عن النموذج الجيد ليقتفوا أثره.
والفاسد الصغير، أو الذى فى قلبه هوى للفساد، لو وجد أن الفاسدين الكبار على موعد حاسم مع العقاب القانونى فسوف يرتدع الجميع «اضرب الفاسد يخاف الطامع فى الفساد»، لا بد أن يطمئن المواطن ويصدق أن السلوك القويم هو أسلوب حياة.