رغم بعض الإخفاقات التى تواجهها مصر، وبعض المشكلات المتراكمة من آثار السنوات الأربع الماضية عقب ثورة ٢٥ يناير، التى تخبطت فيها سفينة الوطن وهى تبحث عن مرفأها الآمن، ورغم إعلان الحرب الشاملة التى تواجهها مصر من الإرهاب الذى استطال وتمدد ولم يعد فى سيناء فقط ووصل حتى كل محافظة ومدينة لم تخلُ من حادث إرهابى، تسقط فيه الدماء الذكية، ورغم التربص للتجربة المصرية من قوى دولية وإقليمية لا تريد للأوضاع فى مصر أن تهدأ، فإن أمل بناء الدولة الديمقراطية التى تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون قائم، وإمكانية تحقيق أهداف الثورة المصرية قائم وبقوة، لا سيما أن خارطة الطريق التى توافقنا عليها فى ٣٠ يونيو و٣ يوليو يتم تنفيذها رغم تأخر الاستحقاق البرلمانى إلا أنه فى إطار التحقق والإنجاز بإعلان اللجنة لتواريخ إجراء الانتخابات.
الخطير فى الأمر أن بعض الفصائل السياسية، التى وقعت فى فخ تأييد الإخوان وسيطرتهم على الحكم بتأييد واضح إن لم تكن شراكة كاملة لا يزالون يتبنون نفس الموقف ويتماهون مع مواقف التنظيم ودعواته، بل يقومون بتبرير العنف المسلح ويتربصون بأخطاء هنا أو هناك، وكادت أن تؤدى هذه المواقف من قبيل «عصر الليمون» والدعوة للتصويت للإخوان دون أدنى بحث أو تدقيق فى مصالح الدولة وإمكانية التداول السلمى للسلطة فى ظل مفاهيم التمكين والمشروع الأممى الذى لا يؤمن بالوطن والمواطنة، وفى ظل حكم تضمن حالة فريدة غير موجودة فى العالم أن من يتم انتخابه يكون صورة بينما الحكم الحقيقى لتنظيم ومكتب لم يتم انتخابه ولا يساءل أمام أى سلطة، بينما هو من يملك زمام الحكم وصولجانه.
الرأى العام المصرى كان أذكى وأوعى من كثير من الفصائل عندما رفض كل الدعوات للتظاهر والخروج، وهم يعلمون أن من دعا للتظاهر لا يريد الخير ويريد أن يعيد الكرة مرة أخرى ويستخدم الناس كحمالة ترفعه إلى سلطة الحكم. لم يبلع الطعم، نعم لدينا مشاكل اقتصادية واجتماعية، وهناك صراع سياسى بين القوى على البرلمان، وهناك سياسات اقتصادية تتجاهل العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء والمعدمين، لكن أدرك الناس أن هناك أخطاراً تهدد وجود الدولة ذاتها وهو ينظر فى المحيط الإقليمى لمصر فيجد التفكك والانقسام والحروب الأهلية فى ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن.
كانت الشوارع يوم ٢٥ يناير فارغة إلا من المضطر للخروج للضرورة، هناك رفض واضح على المشاركة فى الدعوات للتظاهر، لم يشعر أن هذا النداء يحقق أى قيمة مضافة للشعب وإنما يخصم من الرصيد ويصب فى صالح من أعلن الحرب على الناس بالقنابل المفخخة والمولوتوف فى محطات القطار وفى الطرقات ويستهدف محطات الكهرباء وأبراج نقل الكابلات، من يدعى أنه يريد صالح هذا الشعب وهو يدمر مقدراته وقدراته من يستهدف حياه أبناء هذا الشعب الأبرياء.
بعضهم أعلن: إننا لمنتصرون، متماهياً مع كل العمليات الإرهابية التى استهدفت الجنود أو الممتلكات أو المؤسسات العامة ومؤسسات الخدمة للمواطنين فى الحقيقة، كان كلاماً غريباً وغير مفهوم لم ينتصر العنف والإرهاب، ولم لن ينتصر من يعادى مصالح الناس اليومية ويسعى لتدميرها ويقتل الأبرياء.
نحن فى مرحلة التحول، والدولة فى حاجة لأيادٍ تبنى وتشارك فى العمل، وعقول تدرك ما تواجهه الدولة من مخاطر، وتعمل مع الرأى العام لتبصيره، هذه الشراكة تتحقق بمجرد انتخاب البرلمان ومراجعة القوانين ونحول الدستور لتشريعات تحكم، وتصلح المؤسسات ونعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، هذا الإدراك مبنى على حقيقة أنه يجب ألا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، وجبل الإنسان على استيعاب التاريخ والتعلم من الدروس.