رغم مرور سنوات أربع على قيام ثورة يناير التى أجبرت رجال مبارك الحاكمين معه والحامين له والمنتفعين منه على ضرورة الامتثال والخضوع للشعب الثائر والتخلى عن الحاكم العجوز مما دفعه دفعاً للسقوط، إلا أن السنوات الأربع لم تشهد تحقيقاً لأى من أهداف الشعب الغاضب التى ضحى أبناؤه بحياتهم من أجلها ولا حتى استرداداً لتلك الأموال التى نهبت منه بل زاد النهب وزادت ثروة 1% من الشعب «الطبقة الحاكمة» إلى 48.5% من ثروة مصر بزيادة أكثر من 10% عما كانت عليه قبل خلع مبارك.
لقد أسفرت السنوات المذكورة عن اتضاح الصورة أكثر وأكثر نتيجة لغسلها بالدماء الطاهرة، وصارت الناس تعرف يوماً بعد يوم ومع كل قطرة دم من هو عدو أهدافهم ونقيضها ومن يتخذها مطية للانتفاع، ومن هو الذى يريد الخلاص منهم هم ومطالبهم العادلة، ومن هو معهم ويضحى من أجلهم.
وكان كل هؤلاء الذين وُلوا أمر البلاد بلا استثناء فى السنوات التى تلت الثورة لم يحققوا مطلباً واحداً فى العدالة الاجتماعية أو الحرية أو فى الكرامة الإنسانية، وكانوا خصوماً للثورة وللثوار، واستخدموا القبضة الأمنية الباطشة لدفع الناس إلى السكوت وعدم التعبير عن مصالحهم وآرائهم وتحقيق مطالبهم، للانفراد بالحكم وتحقيق أهداف الجمعية الحاكمة ومصالحها الأنانية دون المصلحة العامة للشعب ولمصر فى الحاضر والمستقبل، وليحكموا دون رقابة ودون محاسبة ودون تعقيب.
فعل هذا نظام الإخوان، الذى حين أعيته حيل استمالة الشرطة لتنفيذ القمع كما يريده، لأن هوى قلبها ليس معهم ولم تمل لهم إلا بمقدار، استعان بكوادره فى بروفة تبين ما كان منتظراً منهم فى المستقبل فخطفوا واستجوبوا وعذبوا وقتلوا مواطنين أبرياء شرفاء، كما فعل هذا نفسه النظام الحالى الذى اتضحت ذروة ممارسته بقتل الشاعرة اليسارية النبيلة شيماء الصباغ جهاراً نهاراً فى وسط القاهرة وأمام الشاشات والكاميرات بينما هى واقفة مع آخرين على الرصيف وقفة التزام وطاعة، فى رسالة واضحة ومعلنة ولا تحتمل اللبس للثوريين، وكانت نتيجة ذلك إدانة واسعة فى الداخل والخارج، ورفضاً شعبياً كبيراً، والحقيقة أنه يمكن استنتاج الرفض الشعبى من كثرة المؤيدين للقتل أو تبريره على القنوات الخاصة معروفة الملكية والأصل والهوى والتوجه! هل يمكن لمصرى أن يبرر قتل سيدة؟!
هذه حادثة فاصلة دعت أحزاباً من تحالف 30 يونيو المغدور إلى أن تضع شروطاً لدخول الانتخابات النيابية مما يؤذن بمواجهة حادة وجديدة إن ظل الطرفان على موقفهما، وأكدت تلك الجريمة البشعة أن هناك قوة سياسية يعتقد النظام وبعض الاعتقاد خطأ أنها تمثل خطراً عليه وينبغى تعبئتها فى السجون ومنعها من حق التظاهر والتعبير، دعك من مقولة إن المظاهرة «التى كانت لتحية شهداء الثورة بالورود ومن حوالى 50 فرداً» أربكت الشرطة، لأنه كانت بجوارها مظاهرة مؤيدة فى ميدان عبدالمنعم رياض نفسه، لم ينلها أدنى أذى مثلما لم ينل كل وأى من مظاهرات التأييد! ممارسة السياسة والصراعات خلال هذه السنوات كشفت عن قوى أو تيارات سياسية رئيسية لاعبة حتماً وبقوة الواقع على الأرض، ومن الصعب تجاهل أحدها دون أن يكون ذلك محفوفاً بعدم الاستقرار السياسى، وتنضوى تحت العنوان الأساسى لهذه القوى قوى أو تيارات أصغر تختلف فى التفاصيل عن بعضها، وكل منها يضم «يسار ويمين ووسط» ولكنها فى النهاية ممثلة وتنضوى تحت العنوان الكبير.. فما هذه القوى؟ وكيف تصارع بعضها وتكسب منها؟