من قتل شيماء الصباغ؟ سؤال موجع لكن تتخذ الإجابة عنه عادة طبقاً للتوجه الأيديولوجى والانتماء السياسى للمجيب وليس للحقائق على الأرض أو الانتظار لنتيجة التحقيقات التى لا بد أن تكون جدية ومحايدة ونزيهة، لأنه طبقاً للتوجه السياسى تكون الإجابة من يرى أنهم الشرطة التى لم تترك وسائلها القديمة، من يرى أنهم الإخوان أصحاب المصلحة، ومن يرى أنهم الثوار أنفسهم بتهورهم وقلة خبراتهم، لكن الحقيقة المؤكدة أن هناك رغبة فى صناعة شهداء وتقديم قرابين بشرية لأهداف سياسية، من أجلها يتم عمل الأفخاخ للشباب لدفعهم دفعاً للموت دون هدف واضح، وفخاخ للشرطة يتورط فيها ضباط لم يتلقوا التدريب النفسى والقانونى الأمنى الكافى للتعامل مع هذه الأفخاخ، يتورط الجميع لكن عادة ما يخرج المخططون ليس بالضرورة غانمين ولكن دائماً سالمين، ويدفع الثمن شباب نقى حالم مستعد للموت من أجل ما يؤمن به لكن لم يجد من يعلمه أن الحياة من أجل ما نؤمن أفضل كثيراً من الموت. عندما كنا صغاراً تحتوينا الجامعة بثراء أنشطتها وتنوع توجهاتها كنا نقوم بعشرات المظاهرات، التى لم أعد أتذكر سبب الكثير منها، لكن كانت القيادات تعلمنا كيف نحدد الهدف من التظاهر وآلية التظاهر وكيف نتظاهر، متى ندرك أن الرسالة التى نريد إيصالها قد وصلت ومتى نستشعر الخطر ونقيس إن كنا فى بيئة معادية ودرجة العداء، متى نفض المظاهرة وكيف نؤمن سلامة الجميع أصغرنا قبل أكبرنا. أتذكر دروساً حول التعامل مع القنابل المسيلة للدموع ودروب تفريغ الجامعة من المتظاهرين ومعرفة إن كنا متتبعين أمنياً، كنا نمارس حقاً التظاهر السلمى، لا نتفاخر بالعنف ولا نرى أهم مقتنياتنا درع مجند فقير ألقته خدمة الوطن فى خضم العاصمة التى أصبح الجنون هو سيد الموقف فيها، كنا نتعلم التعاطف مع عساكر الأمن المركزى رغم اعتدائهم علينا لأنهم «غلابة»، كتبت أمل فرح الطالبة آنذاك، الشاعرة الكبيرة الآن، لنا قصيدة عامية تحت عنوان «مسائل فى الشطرنج» قالت فيها:
«ليه دايماً العساكر بيمشوا خطوة واحدة فى طريقهم للأمام؟ ليه دايماً لما تاكل تحيد عن طريقها الواضح التمام؟ ورغم أعدادهم رهيبة، ليه ملهمش هيبة، رد عسكرى منهم تتلخص الإجابة فى غلابة».
تعلمنا أن ما بيننا وبين الدولة وممثلى النظام ليس عداء وإنما محاولة للحياة الأفضل، كنا نهدف لمستقبل ننعم فيه بالحرية والكرامة ولم نهدف لخلق قصص بطولة أو صناعة شهداء، لكن يبدو أن القيادات التى ما زالت تراوح مكانها لأكثر من عشرين عاماً غطت على عقلها عوامل التعرية ودفنت أفكارها ونظرياتها تحت طبقات الزمن، فلم تعد تُقدر تعليم شباب السياسيين ما تعلمناه وتدفعهم بقصد أو بجهل فى أتون معركة لا يُعرف ما الهدف منها أو المخاطر التى تترتب عليها لتسقط شهيدة صرعى رصاص نتبادل حوله التهم وننسج القصص والمؤامرات، تسقط ولا يحملها إلا شباب مثلها أطهار حالمون، أما القيادات فيشعلون سيجارة ويمضون دون الالتفات إليها، فقد اشتعلت مثل السيجارة لترضى إحساسهم بأنهم ما زالوا على قيد الحياة، وتعطيهم مبرراً لأن يصولوا ويجولوا ويتباكوا على شباب تم إشعاله وإلقاؤه على الأرض ومضوا دون حتى النظر إليه، أى جنون وأى عار!!