بعد حادثة «كرم القواديس» كتبت مقالاً بعنوان «أشهر الحسم» (بتاريخ 29/10/2014)، وكنت أعنى بها الأشهر الثلاثة التى قررت السلطة أن تفرض خلالها الطوارئ فى سيناء، لتقضى تماماً على شأفة الإرهاب بعد هذه الحادثة البشعة، كان من ضمن ما جاء فيه: «جوهر الفصل فى هجمة كرم القواديس أن أحداً لن يرضى بفكرة استمرار الوضع على ما هو عليه، وقد وصف «السيسى» الأمر بعد الجمعة الحزينة بـ«معركة الوجود»، وإذا لم تتعامل السلطة واقعياً وعملياً مع هذا الاستحقاق بهذا المنطق، فإنها ستضع نفسها بعد مرور الأشهر الثلاثة فى موقف لا تحسد عليه، والسرعة فى التعامل مع هذا الاستحقاق مطلوبة، لأن الأيام تمر، ومدة الأشهر الثلاثة ليست بالمدة الطويلة، ولسان حال المسئولين عن المواجهة يقول: «أكون أو لا أكون»، وإذا وقعت -لا سمح الله- حوادث شبيهة أو قريبة لما شهدناه فى هذا اليوم الحزين، خلال مدة المواجهة أو بعدها، فسوف يخصم ذلك الكثير من رصيد السلطة الحالية، لأن أبسط مواطن من المصريين واعٍ تماماً إلى أن القضاء على الإرهاب هو المقدمة الأصيلة والأساسية لتحقيق الاستقرار وتعميق الإحساس بالأمن وجلب الاستثمارات والتخلص من حالة وقف الحال التى يعانى منها الكثيرون أشد المعاناة، وإذا لم تفلح السلطة فى بناء هذه المقدمة فستواجه مشكلات عديدة ومتنوعة، ترقى كما وصف الرئيس إلى مستوى المشكلات الوجودية».
انتهت أشهر الحسم الثلاثة، منذ عدة أيام لتتخذ السلطة قراراً بمد حظر التجول فى سيناء، وبعد هذا القرار بساعات وقعت الهجمة «العسكرية» -وأقصد اللفظ تماماً- متعددة المحاور التى استشهد على أثرها العشرات وأصيب أضعافهم، لتثبت السلطة الحالية عجزها عن التعامل مع الموقف فى سيناء، وليتأكد لنا أن كل التصريحات التى ترددت على لسان المسئولين عن هذا الملف لم تكن صادقة. «أنصار بيت المقدس» التى نفذت عملية كرم القواديس زادت قوتها عدة أضعاف، فى حين أصاب تهافت القوات الأمنية التى تتولى المواجهة معها المزيد من التهافت. الضربة الموجعة وجهت قبل بضعة أسابيع من المؤتمر الاقتصادى المزمع عقده فى مارس المقبل، وبهذا يمكننا القول إن كلمة النهاية قد كُتبت قبل أن يبدأ هذا المؤتمر. ربما خرجت علينا السلطة بأقوالها المأثورة فى هذا المقام، من فصيلة الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو أن واقعة الخميس المروعة لا تنفى سيطرة قواتنا على الأمور فى سيناء، فعليك أن تفهم أنه لا أمل.
بارقة الأمل الوحيدة أن تخرج علينا السلطة لتقول: «نحن فشلة»، لأنها بالفعل كذلك، فعندما يكون لديها الأدوات الكاملة، والتفويض والمساندة الشعبية المطلوبة، والمواطن الذى يصبر على المكاره الاقتصادية التى أورثتها السلطة له، ويعذرها فى إجراءاتها القمعية، ثم يحدث ما حدث فى سيناء يوم الخميس الماضى، فعليها أن تعترف بداية أنها «فاشلة»، فذلك هو الأمل الوحيد لكى تتحرك وتصحح، لأن الاعتراف بالفشل فضيلة، وعلى «السيسى» أن يفهم أنه تراخى، ليس فى التعامل الميدانى مع الإرهاب، فهذا أمر مفهوم، بل فى التعامل مع الأسباب الحتمية التى يجب أن يفهم صاحب العقل أنها ستؤدى حتماً إلى اتساع رقعته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.