فى الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، ركبت جماعة الإخوان المسلمين أعلى خيلها، وحشدت كل ما تستطيع جمعه من فلول الجماعة، وعاودت التظاهر داخل عدد من الأحياء الشعبية فى القاهرة والإسكندرية، خاصة المطرية والمحمودية، وضاعفت من نشاط أعضائها فى توزيع الشحنات الناسفة وقنابل المسامير فى مناطق الزحام السكانى، واستدعت من جديد عمليات قطع الطرق وتدمير أبراج الكهرباء فى بعض المناطق النائية، وترصدت عدداً من سيارات الشرطة، واشتبكت مع رجالها فى صدامات عديدة أسفرت عن سقوط 23 قتيلاً فى مواقع عديدة موزّعة على أرجاء مصر وأصابت عدداً من أفراد الشرطة، لكن الجرد النهائى لكل أعمال الشغب والعنف التى قامت بها الجماعة فى ذكرى 25 يناير يقول بوضوح بالغ إن الجماعة تواجه حائطاً منيعاً لم يمكن مظاهراتها من الخروج إلى شارع رئيسى واحد مهم، أو الاقتراب من أىٍّ من الميادين الأربعة «رابعة والتحرير وعبدالمنعم رياض والنهضة» التى تشكل بالنسبة لها أهدافاً حيوية ومقاصد رئيسية لعمليات الاعتصام.. وباستثناء مظاهرة طلعت حرب التى لم يتجاوز عدد أفرادها 200 شخص، لم تستطع جرائم جماعة الإخوان فى هذا اليوم أن تترك بصمة واحدة تؤكد أن الجماعة أصبحت أكثر قوة وتأثيراً عما كانت عليه فى أيام شغبها الأخير فى نوفمبر الماضى، عندما أعلنت عن تظاهرات مسلحة سوف تخرج فى جميع أنحاء القاهرة تستهدف احتلال ميادين رابعة والنهضة والتحرير والاعتصام بها إلى أن يسقط نظام الحكم!، لكن أياً من مظاهرات الجماعة المحدودة الأعداد لم تستطع الخروج من حارات المطرية وعين شمس والطالبية، وعندما عاودت المحاولة مرة أخرى فى اليوم التالى فى ميدان عبدالمنعم رياض على أمل أن يتضامن معها بعض القوى الشعبية والثورية، احتجاجاً على حكم البراءة الذى صدر يومها لصالح الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وجد العشرات من أعضاء الجماعة أنفسهم معزولين عن كل القوى السياسية التى رفضت أن تشارك جماعة الإخوان أو تجاورها فى أى عمل سياسى، باستثناء مجموعة محدودة من «6 أبريل» والاشتراكيين الثوريين، لم يتمكنوا من الصمود فى ميدان عبدالمنعم رياض لأكثر من 20 دقيقة، لكن المشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين كانت دائماً أنهم لا يتعلمون من تجاربهم السابقة، ويعاودون ارتكاب الخطأ نفسه، ويورّطون أنفسهم فى مخططات شريرة لا يملكون القدرة على تنفيذها!، يعيشون فى عالم افتراضى كاذب ويتوهّمون أنه يكفى أن يمارسوا بعض أعمال الشغب والعنف كى يثبتوا للعالم أن تحقيق استقرار مصر وأمنها سوف يبقى هدفاً صعب المنال، ما لم تصبح الجماعة جزءاً من مستقبل مصر السياسى!، ويجترون حلماً أشد جهالة وكذباً بأن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على ممارسة ضغوطها على مصر وإكراهها على قبول دمج الجماعة جزءاً من مستقبل مصر السياسى رغماً عن أنف شعبها!
وما من شك أن واحداً من أهم أهداف عمليات الشغب التى تمارسها الجماعة، تغذية الموقف الأمريكى بمبررات ومسوغات تؤخر اعتراف واشنطن بالأمر الواقع، وتبقى على تحفظاتها على حكم الرئيس السيسى والتريث بعض الوقت قبل أن تسقط جماعة الإخوان المسلمين من حساباتها، وعندما أعلن عدد من الصحف الأمريكية ومحطات التليفزيون المؤثرة وبعض مواقع التواصل الاجتماعى المهمة الأسبوع الماضى، أنها لا تفهم موقف إدارة أوباما من حكم الرئيس السيسى الذى يكاد يكون القائد الوحيد فى العالم الذى يحارب الإرهاب بشجاعة، ونجح فى معاونة شعبه على التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين الفاشية (هرت الجماعة برابرة على روحها) خوفاً من أن يكون ذلك بداية لنهاية المساندة الأمريكية للجماعة، لأن مساندة واشنطن تكاد تكون الآن نفس الحياة الوحيد الذى يحافظ على رمق الجماعة الأخير، فمن دونه لا وجود ولا مستقبل للجماعة، خاصة أن قطر تحت ضغوط السعودية ودول الخليج يمكن أن تتخلى عن الجماعة وتتركها فى العراء، ويزيد من سوء موقف الجماعة أنها تعرف جيداً أن الشعب المصرى بات يبغضها ويرفض على نحو مطلق المصالحة معها، حتى لو حاربت الجماعة المصريين ألف عام!
ولست أشك فى أن الجماعة تعرف جيداً أن عام 2015 يمكن أن يكون عاماً مصيرياً بالنسبة لها، ويمكن أن يكون عامها الأخير، لأن حكم الرئيس السيسى يزداد رسوخاً وقوة كل يوم، ولأن الأمريكيين لهم مصالح حيوية وخطيرة يعرفون جيداً أنها لن تكون آمنة فى غياب علاقات أكثر توافقاً مع القاهرة، ولأن العالم العربى يزداد اقتناعاً بأن جماعة الإخوان تشكل خطراً على أمن واستقرار معظم الدول العربية بعد أن تكشّفت وجوهها القبيحة فى أزمتها مع الشعب المصرى ولم تتورع عن التحالف العلنى مع تنظيمات «القاعدة» و«داعش» للإضرار بأمن وطنها، وربما لهذه الأسباب ذاتها صعّدت الجماعة مواقفها فى الذكرى الرابعة لـ25 يناير، لكنها حصدت الحصرم وحققت فشلاً ذريعاً على كل المستويات، ولم تنجح فى اختراق جبهة مصر الداخلية، وتعذر عليها أن تجد فى الداخل حليفاً سياسياً يساندها، كما فتر حماس المجتمع الدولى للوقوف إلى جوارها ووصل إلى حد البرود.. والأهم من جميع ذلك أنها كسبت المزيد من كراهية الشعب المصرى الذى يبغضها حتى العظم، ويصر على عقابها بصورة حاسمة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.