أستطيع أن أتفهم سخط عدد من السياسيين والإعلاميين على قناة الجزيرة وصب جام غضبهم عليها، بسبب خطابها الشامت فى شهدائنا فى مذبحة سيناء الأخيرة، وبإمكانى أيضاً استيعاب تلك الاتهامات التى تكال لجماعة الإخوان بالضلوع فى هذه الجريمة، انطلاقاً من أقوالها المهددة بالإرهاب وأفعالها فى الشارع. كل هذه الأمور مفهومة، لكن أتصور أن النظر إلى هذا الحدث الجلل من هذه الزاوية يعد تسطيحاً للأمور، أخشى أن يبدو أصحاب هذه النظرة وكأنهم يرغبون فى المتاجرة السياسية، أكثر مما يعبرون عن حزن على هذا المصاب الأليم.
بنظرة متأنية إلى الأحداث الإرهابية المتلاحقة التى تتعرض لها البلاد عقب التخلص من حكم الإخوان نستطيع أن نقول إن منحنى الإرهاب صاعد، وليس هابطاً، أو حتى ثابتاً على وتيرة واحدة، وأود فى هذا السياق أن ألفت نظر المتابعين إلى أن مذبحة الخميس كانت فارقة -فى مسار تطور الأحداث الإرهابية- على مستويين، أولهما أن من قام بتنفيذها ليس مجموعة إرهابية تفجر وتجرى، بل مجموعة تشبه الكتيبة المسلحة التى تخوض معركة حقيقية تجيد التخطيط لها، وقادرة على توظيف الأدوات اللازمة لإنجازها، ثانيهما أننا أمام مجموعات تريد أن تحتل أرضاً، تشكل بعد ذلك نواة انطلاق لها، لقد كان من الضرورى أن ننتبه إلى هذا الأمر ونحن نشاهد الفيديوهات التى بثتها صفحات «أنصار بيت المقدس»، وتصور الكمائن التى ينصبها التنظيم على بعض الطرق فى سيناء، وكان أحدها فخاً لاصطياد الضابط أيمن الدسوقى رحمه الله. الشاهد الخطير فى هذا الأمر أننا أمام مجموعات تريد أن تتحول إلى جيش!، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية فيما حدث، فأى جيش فى الدنيا هو عبارة عن عناصر ثلاثة: الكوادر البشرية، والسلاح، والأرض التى ينطلق منها. وفى تقديرى أن العنصرين الأول والثانى متوافران لهذه الجماعات بصورة أو بأخرى، المأزق دائماً يرتبط بالأرض التى ينطلق منها الجيش، وأخشى أن يكون ما حدث بداية حقيقية لتحول سيناء إلى قاعدة انطلاق من هذا النوع.
ذلك الذى يحدث على الأرض وتؤشر إليه مذبحة الخميس أكبر من قناة تليفزيونية، نعرف أنها مساندة للإخوان، وأكبر من جماعة الإخوان ذاتها التى تراجعت قدراتها كثيراً، نتيجة الضربات الأمنية المتلاحقة خلال الأشهر الأخيرة، ولم يعد لها من قيمة تذكر حالياً سوى أن تلعب دور الظهير الشعبى لما يطلق عليه «دولة الإسلام فى سيناء». المسألة أخطر يا سادة مما تظنون، وأى إعلامى أو سياسى غاضب ليس له إلا أن يراجع أحاديثه السابقة ليتأكد أنه تكلم مراراً وتكراراً عن الدول والأجهزة التى تقف وراء الإرهاب وتدعمه. الأمر فى مجمله ليس اكتشافاً، الاكتشاف الحقيقى الذى يجب أن نركز فيه يرتبط بثلاثة أمور: أولها حالة التدهور العام فى أداء المؤسسات والأفراد بصورة تسهل وقوع الكوارث، وثانيها تأسيس مناخ عام يساعد على التحارب والاقتتال الداخلى، وثالثها بلوغ مسألة الصراع على السلطة مرحلة، السكوت عليها أصبح جريمة، وسوف يكون لنا وقفة خلال الأيام المقبلة مع كل أمر من هذه الأمور الثلاثة التى تشكل فيما بينها بوابة يمكن أن نطلق عليها «بوابة إبليس»!.