يلى مواد مقومات المجتمع وواجبات الدولة «الأسرية» فى الباب الأول (المواد من 7 إلى 11) وبعد مادة تحظر إنشاء الرتب المدنية (مادة 12)، مجموعة من المواد تتناول النظام الاقتصادى والزراعة والصناعة والثروات الطبيعية وأشكال الملكية المختلفة ونظام الضرائب. وبالمواد هذه، من 13 إلى 27، ينتهى الباب الأول.
هنا مضامين إيجابية وتوافقية على امتداد مجتمعنا وحياتنا السياسية:
فالمادة 13 تنص على أن الاقتصاد الوطنى يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة المتوازنة، والمشاركة بين رأس المال والعمل فى تحمل تكاليف التنمية وتقريب الفوارق بين الدخول بوضع حد أقصى وضمان حد أدنى للأجور. وتلزم المادة 14 الدولة بحماية الرقعة الزراعية والفلاح من الاستغلال، بينما تلزمها المواد 15 و16 و17 بصيانة كافة الثروات الطبيعية ومنع الاعتداء عليها.
وتقرر المواد من 18 إلى 24 مشروعية كافة أشكال الملكية بأنواعها العامة والتعاونية والخاصة والوقف وتربط طرق إدارتها بالنفع العام. ثم تختتم المواد من 25 إلى 27 الباب بالنص على العدالة الاجتماعية كأساس نظام الضراب والتكاليف العامة، وحظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام
وبقانون ومقابل تعويض عادل، وكذلك حظر مصادرة الأموال العامة والخاصة (إلا فى حالات الأحكام القضائية بشأن الأخيرة).
تحمل مجموعة المواد هذه إيجابيات واضحة، إلا أن الصياغة الدستورية تتسم فى بعضها بطابع تكرارى صريح وفى البعض الآخر بالعمومية الشديدة. فتأتى، على سبيل المثال، مادة الاقتصاد الوطنى (13) من كثرة توظيف المرادفات وتداخل المفاهيم طويلة للغاية (ستة أسطر). وينطبق ذات الأمر على مادة الزراعة (14)، وبها إطالة لا تتناسب مع النص الدستورى (إلزام الدولة بحماية الأصناف النباتية والسلالات الحيوانية ومقومات الإنتاج الزراعى، يمكن هنا الاكتفاء بتقرير عام يلزم الدولة بحماية الزراعة بكافة ثرواتها
وعناصرها). تعانى بعض الصياغات الأخرى من عمومية تفقد المواد الدستورية الدقة الواجبة، مثل مادة الاقتصاد الوطنى التى تخلط بين الدخول والأجور ومادة الضرائب (25) التى تكتفى بإشارة عامة للعدالة الاجتماعية ولا تحدد أسس النظام الضريبى.
إشكالية إضافية فى المواد من 13 إلى 27 تتمثل فى غياب تناول الجوانب البيئية للاقتصاد وللزراعة ولإدارة الثروات الطبيعية والملكية والنظام الضريبى. فمن غير المقبول فى 2012 ألا يلزم الدستور الجديد الدولة بحماية البيئة وبضمان ألا يتناقض النشاط الاقتصادى والزراعى مع مقتضيات البيئة النظيفة، وجميعاً نعلم قدر الإخلال بالمقتضيات هذه فى واقعنا الراهن. للثروات الطبيعية أيضاً جوانب بيئية، وخاصة فى مجال الطاقة التى أتمنى أن يلزم الدستور الدولة بتطوير مصادرها البديلة وبإدارة مصادرها المعرضة للنضوب بمسئولية اجتماعية تجاه الأجيال القادمة.
تحتاج المواد من 13 إلى 27 فى الباب الأول، ومع أنها لا تطرح إشكاليات كبرى كبقية مواد الدولة والمجتمع، لإعادة نظر وإعادة صياغة وإضفاء للطابع العصرى على النص الدستورى.