كانت الكلمات واضحة، محددة، أراد الرئيس أن يبعث بأكثر من رسالة، كان الغضب بادياً على وجهه، إنه يعرف أن المعركة مع الإرهاب طويلة، هكذا قال منذ وقت طويل قد مضى، لكنه حتماً يدرك أن ساعة النصر النهائى مقبلة بلا جدال.
فى خطابه الهام الذى ألقاه وسط كوكبة من القادة العسكريين الكبار، أمس الأول، وقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ليخاطب العقول والقلوب، كان الاجتماع هاماً وخطيراً، استمر لعدة ساعات، وأعقبه تشكيل قيادة عسكرية موحدة لمنطقة شرق القناة.
إن أخطر ما ردده الرئيس السيسى فى هذا الخطاب قوله: «اللى ساعدكم إحنا عارفينه، وشايفينه، ومش هنسيبه، إحنا بفضل لله سبحانه وتعالى هننتصر فى هذه المواجهة بالعمل والجهد والدم»، ثم راح يخاطب المصريين بالقول: «إنتو مش عارفين هما بيعملوا كده ليه»؟!
لم يكن حديث الرئيس مجرد هواجس بلا معنى، أو بحث عن شماعة يحمّلها المسئولية، بل كانت كلماته مبنية على معلومات توصلت إليها الأجهزة المعنية، وقدمتها إلى الرئيس على الفور، واستعرضها مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
قبيل الحادث الإرهابى بأيام قليلة كانت واشنطن تستقبل وفداً من جماعة الإخوان الإرهابية، ضم القاضى السابق وليد شرابى، والناشطة مها عزام، الوفد التقى مع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدد آخر من مسئولى الخارجية وأجهزة الاستخبارات.
لم يكن الحوار «مجاملة»، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التى حاولت طمأنة الجمهور الغاضب فى الولايات المتحدة، وإنما كان لقاء أراد أن يبعث برسالة محددة: «نحن ندعم الإخوان، ولا نريد لمصر أن تنتصر عليهم الانتصار النهائى».
إن المعلومات التى وصلت إلى القاهرة أشارت إلى أن «الخارجية الأمريكية» أكدت للوفد الإخوانى إن واشنطن ستمارس ضغوطها على مصر بهدف إجبارها على تحقيق مصالحة مع الجماعة، تقدم فيها القيادة المصرية تنازلات كبيرة.
وكان وفد الجماعة قد أبلغ الإدارة الأمريكية أن هناك اتجاهاً للتصعيد يستهدف إجبار النظام المصرى على القبول بهذه المصالحة، وأن هناك إصراراً لدى الإخوان على عدم استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق.
فى هذا الوقت كان هناك تصعيد كبير فى لهجة ولغة القنوات القطرية، وهو على عكس الوعود التى تم إبلاغها فى وقت سابق، حيث عادت قناة «الجزيرة» لتلعب، وبكل شراسة، دور التحريض على القتل والعنف، وإشعال نار الحرائق قبل وأثناء الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير.
وكان التصعيد يستهدف تهيئة الأجواء لحدث خطير تشهده البلاد، كانت الخطة التى شاركت فيها أطراف متعددة بعضها مجاور للحدود المصرية تقوم على الدفع بعناصر خارجية للتسلل إلى داخل سيناء عن طريق البحر، لارتكاب حادث كبير، تعقبه فوضى عارمة فى المنطقة، ثم تجرى السيطرة على المناطق السيناوية المختلفة من رفح والشيخ زويد حتى منطقة العريش، وكان الهدف هو تكرار نموذج احتلال «داعش» للموصل الذى جرى فى العاشر من يونيو من العام الماضى.
كانت الخطة مبنية على عدة خطوات تكتيكية هى على الوجه التالى:
- تتحرك عناصر «النخبة» من المتطرفين المنتمين إلى ما سُمى «جماعة أنصار بيت المقدس» التى أعلنت انضمامها إلى تنظيم داعش وولاءها لقائد التنظيم «أبوبكر البغدادى» فى وقت سابق، على أن يكون هدف هذه النخبة توجيه ضربات حاسمة وقوية تقضى على الوجود الأمنى والعسكرى فى سيناء، ولذلك تم استهداف مقر الكتيبة 101 التى تتولى قيادة العمليات، علاوة على مديرية الأمن وغيرها من المناطق الأخرى فى رفح والشيخ زويد.
- وكانت الخطة تهدف إلى قيام عناصر جماعة الإخوان فى سيناء وبعض حلفائها بالتحرك للاستيلاء على كافة المرافق التنفيذية والأمنية والعسكرية للسيطرة على منطقة العريش تحديداً والاحتماء بالكتل السكانية بهدف إعلان سيناء «إمارة إسلامية» أو منطقة «محررة» كما يقولون.
- فى هذا الوقت تتحرك عناصر «إرهابية» من داخل قطاع غزة إلى داخل سيناء لتفرض سيطرتها على بعض المناطق الاستراتيجية الهامة وقطع الطريق على الجيش المصرى بالعودة مرة أخرى إلى هذه المناطق، واستخدام الأهالى كرهائن للحيلولة دون استخدام القوة الجوية أو العسكرية فى هذه المناطق. واستهدفت الخطة أيضاً تفجير كافة أنابيب الغاز التى تمر عبر سيناء، وكذلك السيطرة على المناطق الاستراتيجية والنفطية الهامة فى هذه المنطقة.
وقد تلقت العناصر الإرهابية تدريبات سابقة على الخطة العسكرية التى جرى تنفيذها ضد القوات المصرية، كما أن جهة «معلومة لدى القيادة المصرية» قامت بإمداد هذه العناصر بالأسلحة المتقدمة والمتفجرات التى جرى استخدامها فى تنفيذ الخطة.
وكانت ساعة الصفر هى ساعة فرض حظر التجوال، حتى يمكن تحقيق الأهداف دون معوقات، إلا أن الخطة لم تستكمل أهدافها لعدة أسباب من بينها:
- التحرك السريع للقوات المسلحة المصرية عن طريق استخدام الطائرات العسكرية التى راحت تتحرك على الفور، وإعلان حالة الاستنفار العام على الشريط الحدودى والمناطق الاستراتيجية المختلفة فى سيناء.
- فشل عناصر الإخوان فى التحرك السريع داخل منطقة العريش، مما تسبب فى حالة ارتباك للمخطط، انتظاراً لحسم المعركة التى استمرت لعدة ساعات بين الجيش المصرى وعناصر الإرهاب التى تمكنت من الهرب تحت وابل النيران الكثيفة، وهو الأمر الذى أفسد تنفيذ الخطة كاملة كما هو محدد لها.
- وعى جماهير أبناء سيناء التى التفت حول عناصر الجيش والشرطة وساهمت بموقفها فى حسم الأمر سريعاً لصالح قوات الجيش والشرطة.
من هنا لم يكن الرئيس يبالغ عندما قال: «إن مصر تواجه صراعاً، وإنها مصرة على الانتصار فيه ولن تستسلم، واحنا مش هنسيب سيناء.. سيناء يا تكون بتاعة المصريين يا نموت عشانها».
كان الرئيس بذلك يشير إلى المخطط الذى تم إحباطه، وهو مخطط السيطرة على سيناء لإعلان الامارة الإسلامية على النمط السورى، أى الاستيلاء على مناطق، ثم الانطلاق منها إلى مناطق أخرى، وهو مخطط تدعمه دول وحركات عديدة فى المنطقة وخارجها.
من هنا جاء قرار تشكيل القيادة العسكرية الموحدة تحت إمرة قائد الجيش الثالث الميدانى اللواء أسامة عسكر الذى تمت ترقيته إلى رتبة الفريق ليتولى توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية فى منطقة شرق القناة.
لم يكن ذلك هو الإجراء الوحيد الذى تم اتخاذه، بل إن هناك إجراءات أخرى هامة وحاسمة ورادعة أراد الرئيس أمس أن يستمع إلى رأى النخبة السياسية والفكرية قبل الإقدام عليها.
وهكذا تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم عن المخطط الإجرامى الذى يستهدف نشر الفوضى والعنف فى البلاد وصولاً إلى إسقاط الدولة، وهو حلم بالقطع لن يتحقق ما دام شعب مصر موحداً، برجاله ومؤسسات دولته.
غير أن الأخطر هو التحديات التى تواجه البلاد، وهو أمر يستوجب، كما قال الرئيس، أن يظل الجميع على قلب رجل واحد، وأن تبقى راية مصر عالية خفاقة.