ممارسة السياسة فى السنوات الأربع كشفت عن ثلاث قوى رئيسية لاعبة حتماً وبقوة الأمر الواقع، وتنضوى تحت العنوان العام لها قوى أو تيارات أصغر تختلف فى التفاصيل كما تضم يساراً ويميناً ووسطاً، ومعتدلين ومتطرفين.
أولى هذه القوى هى ما يمكن تسميتها قوة التثبيت أو الوضع الراهن، فى مقابل قوتى التغيير الأخريين، وهى تضم كل الراغبين أو المنتفعين من بقاء الأوضاع على ماهى عليه الآن، ومنها خلفاء نظام مبارك سواء كانوا حزبه أو معارضته المعتمدة رسمياً منه كالتجمع والوفد مثلاً، وكذلك القائمين على قيادة المؤسسات الإقطاعية المختارين وتربوا فى ظلها واستفادوا ولا يزالون يستفيدون منها مادياً ومعنوياً ونفوذاً واحتكاراً وميراثاً لهم ولذويهم، وكذلك المواطنين الذين يسلمون بالواقع ويخافون الحركة والتغيير، وهذه القوى ترى أن تثبيت الأوضاع الراهنة واستقرارها هو أفضل الحلول الآن لمشاكل البلاد كما أنها ترى أن القوتين الأخريين تمثلان خطراً ويلزم قمعهما.
وثانية القوى هى الإسلاميون ويهدفون جميعاً إلى إقامة مجتمع دينى يتمثل ما كان منذ 14 قرناً، ويرون أن القوتين الأخريين تمثلان عائقاً أمام مشروعها للعودة للسلف ويلزم قمعهما.
والقوى الثالثة هى قوى الثورة وتضم كل من يسعى لتحقيق أهداف الثورة هنا والآن فى العدالة والحرية والكرامة، وهى قوى ترى أن المشروعين السابقين خطر أمام الثورة وأهدافها.
وقد اعتبرت الإسلاميين قوة تغيير الحالى إلى الماضى وليسوا قوى ثورية، لأن الثورة هى تغيير تقدمى للمستقبل فضلاً عن أن فكرة الإسلاميين عن العدالة والحرية والكرامة هى فكرة دينية قديمة خاصة باعتقاداتهم وتخالف المعنى الفلسفى والتطور السياسى الحديث كما تريده قوى الثورة.
هذه القوى الثلاث هى القوى التى تعمل بجهد فى الشارع، ولا يمكن أبداً إنكار وجود وحيوية إحداها، بصرف النظر عن عدد كل منها، وهو ما زال مجهولاً على كل حال فى مجتمع غير حر، ولا يمكن أن يستقيم سلام حقيقى وتضامن اجتماعى ولا أن تعمل البلاد وحاكموها أياً كانوا وتتقدم دون أن تشعر كل قوة بالرضا وأن الأمور تسير فى البلاد بما يضمن لها الأمل فى تحقيق مشروعها مستقبلاً، ولقد أثبتت الأحداث منذ بداية الثورة أنه من الصعوبة أن تفرض أى من القوى الثلاث وحدها الاستقرار، وتتصور قوى التثبيت الآن أنها تستطيع ذلك كما فعلته خلال عهد مبارك ولكن كل يوم وناسه فى شأن والواقع نفسه يكذب ذلك.
إننا الآن بصدد توازن قوى يمكنه إخضاع الجميع لصياغة قواعد عادلة لممارسة اللعب والسياسة، إنهم لا يبتكرون جديداً ولا يخترعون عجلة، لقد صارت هناك معادلة فرضها الواقع ومورست رغماً عما فى رؤوس القوى وقلوبها، فقد تحالف الإسلاميون وقوى الثورة (اثنين) ضد قوى التثبيت (واحد) وأسقطوها، ثم تحالف الإسلاميون مع قوى التثبيت «المجلس العسكرى» (اثنين)ونفوا قوى الثورة (واحد)، ثم عمل الإسلاميون وقوى الثورة منفردين ضد المجلس العسكرى فسقط، وعندما تحالفت قوى الثورة مع قوى الوضع الراهن (اثنين) أسقطوا حكم الإسلاميين (واحد) والآن نحن بصدد إعادة لنفس المعادلة حتى وإن عملت قوى الثورة مستقلة، أى أن طريقة اللعب السياسى هى واحد ضد اثنين ليستبد بالسلطة، واثنين ضد واحد لمنع الانفراد بالسلطة، والنتيجة هى السقوط وعدم الاستقرار.
هذه طريقة لا تزال تعمل وستعمل كلما ابتعدت عن العدالة والحرية والمساواة وضمان حقوق الأطراف، إنها ممارسة صراع لم يتفق أطرافه على كيفية اللعب وأن أحداً منهم لن يكسب بالصراع والأنانية بل إنهم يعطلون شعبهم وبلدهم.