صور الصرعى تلح، ومشاعر الأسى تزداد مع لامعقولية الواقعة وعبثيتها، شباب حول العشرين انتهوا حين أرادوا أن يستمتعوا بمباراة كرة قدم ويدعموا ناديهم ووثقوا بإدارة الأمن وناديهم للاستاد وعملية الدخول فماتوا محصورين محسورين.
ومما رأيته من فيديوهات ومما سمعته وقرأته من شهود ومراسلين رياضيين لا يوجد سبب يتيم لصرعهم هكذا.
لماذا يموتون هكذا؟
بيان الداخلية ذكر أنهم أرادوا الدخول بلا تذاكر فتعاملت معهم الوزارة! ونحن نرفض أن يقتحم أحد مكاناً دون اشتراطاته سواء كانت تذاكر أو دعوة، وبفرض أن هذا حقيقى، وأنا لا أعتقد ذلك، فإنه ليس مبرراً أبداً لكى تزهق روح لأن هناك وسائل من شأنها التعامل مع هذه المواقف دون قتل، وإن كان ذلك كذلك فهذا يعنى تقصيراً أو نقص كفاءة من ضباط الأمن وينبغى تدارك ذلك بالضرورة، وأنا لا أعتقد ذلك أيضاً.
ويلح علينا السؤال لماذا يموتون هكذا؟ لماذا يوضعون فى قفص حديدى تحوطه أسلاك شائكة عرضه أقل من متر ثم فجأة يطلق الغاز المسيل للدموع كما أقرت الشرطة باستخدامه فيصرخون أنهم يموتون ولا أحد ينقذهم؟
لقد كان المكان تحت سيطرة وإدارة ومسئولية الشرطة، وبالتالى فإن ما حدث هو مسئوليتها المباشرة سواء كان الأمر كما تقول ليس معهم تذاكر أو أنه مؤامرة، أو أنه تدافع، أو غير ذلك من مبررات ليس لها وجاهة لإقناعنا بمصرع هؤلاء الشباب، هذا إذا تغاضينا عن الأسباب التى يتم سوقها مثل أن هؤلاء بلطجية ثم تبين أن بعض القتلى طلاب فى عمارة، ومتفوقون فى هندسة، وفى جامعات خاصة أو أبناء نواب سابقين، مما ينفى فكرة البلطجة والفقر الذى يمنعهم من امتلاك تذكرة.
ما الضرر لو أدخلتهم بعد تفتيشهم فى الصندوق الحديدى الذى صنعته لهم؟ وقد رأينا المدرجات معظمها خالياً وكانت تستوعبهم خدمة للحكومة التى تسعى لإشغال الناس بالمباريات لينصرفوا عن طلباتهم منها وعن محاسبتها ونقدها وعن السياسة عموماً.
ثم ظهر أن مدرجات الدرجة الأولى هى فقط التى دخلها متفرجون محظوظون مبكراً من باب آخر بينما دخل الآخرون صندوق الموت.
لماذا يموتون هكذا؟ ولماذا تموت شيماء الصباغ المتظاهرة بالورد على الرصيف بالطريقة التى ماتت بها جهاراً نهاراً؟ لقد طالب الكاتب الروائى يوسف القعيد، وزير الداخلية بالاستقالة لأنه لم يقدم القاتل للعدالة، وتهكم قائلاً: أكيد اللى قتلها مش طيارة إسرائيلية.
وفى رأيى أن وزيراً حالياً لن يختلف عن جديد، وأن علينا البحث عن إجابة للسؤال: لماذا عادت الشرطة سيرتها الأولى؟
تكشف الوقائع حسب «الوطن» والشهود، أن الجميع تقريباً كان يعرف بالكارثة التى بدأت الخامسة والنصف مساء. قبل المباراة وهذا سبب حصار اللاعبين فى الأوتوبيس ويبدو أنه كان هناك قرار ما وإصرار ما بالبدء والاستمرار فى اللعب، وكأن الذين ماتوا حشرات طائرة أسقطها مبيد حشرى وآن الاستمتاع بالمباراة!
ما الذى أرادوا تأكيده بالتجاهل؟ إلى هذه الدرجة تشوهت الإنسانية وامتلأوا بالقسوة؟ هل كانوا يستمتعون بالمباراة أم بقسوتهم وانتصارهم لدرجة أنهم ينحرون اللاعب الذى خرج عن التواطؤ ورفض الاستمرار معهم.
القتل هو فى أى حالة مقصود به تأكيد الذات والإحساس بها وبقدرتها وانتصارها، فضلاً عن محو الآخر أو إخضاعه والتلذذ بالسيطرة عليه.
إذا تذكرنا الضابط الذى قنص عين متظاهر عمداً وحكم عليه بثلاث سنوات فقط، سنجد زميله يقول له مثنياً ومشجعاً: برافو يا باشا جت فى عين أمه.
مثل هذه الأعمال تغذى صراعاً بلا ضرورة يدفع ثمنه الوطن كله وشبابه والآباء والأمهات الحزانى والشرطة، وتضيف ظهيراً وانتقاميين للإرهاب، فلا غفران فى الدم، ولابد من كشف مرتكبيها ومعاقبتهم، حيث إنها مكررة لعدم عقاب الفاعلين فى السابقات، ثم العمل على دعم الثقة وإحساس الذات والقدرة والسيطرة دون قتل أو تعذيب أو انتقام.