يلى مواد الكرامة الإنسانية والمساواة وحظر التمييز (الغائب عنه حظر التمييز على أساس العرق) وحقوق المواطن وحرمة حياته الخاصة وحمايته من الإيذاء (الذى ينبغى أن يكون التعذيب) بالباب الثانى، مجموعة مهمة من المواد الدستورية (37 إلى 43) ذات الصلة بحرية الاعتقاد والفكر والرأى والإبداع والحصول على المعلومات وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام. وفى الدساتير الديمقراطية تهدف مثل هذه المواد لضمان حريات المواطن وإلزام الدولة بحمايتها وكفالتها. أما فى مسودة الدستور المصرى فالأمر أقل وضوحاً، بل وترد نواقص على بعض الحريات المذكورة وتغيب أخرى بالكامل.
تقرر المادة 37 فى جملتها الأولى أن حرية الاعتقاد مصونة، وذلك تقرير ضرورى يتسق مع الجوهر الديمقراطى والمواثيق والعهود الدولية. إلا أن حرية الاعتقاد تقيد على نحو خطير فى الجملة الثانية التى تنص على أن الدولة تكفل حرية إقامة دور العبادة للأديان السماوية. فحرية الاعتقاد ترتبط ارتباطاً عضوياً بحرية ممارسة الشعائر الدينية، والأخيرة ترتبط بحق إقامة دور العبادة الذى لا ينبغى قصره فى دستور ديمقراطى على أتباع الديانات السماوية فقط واستثناء أتباع الديانات الوضعية.
حرية الاعتقاد وحق إقامة دور العبادة لا يقبلان التقييد، ويمكن أن يُترك تنظيم إقامة دور العبادة للقانون وفقاً لمعايير موضوعية، فلا يحتاج لدار عبادة مثلاً خمسة من الهندوس فى مدينة تعدادها 18 مليوناً، بينما قد يحتاج لها 1000 من البهائيين أو من البوذيين الذين تمنحهم بعض الدول غير الديمقراطية فى محيطنا العربى (الخليج) حق إقامة دور العبادة. أم هل نريد منع مصريين من ممارسة الشعائر الدينية أو أن يمنع المسلمون والمسيحيون من إقامة دور العبادة فى الصين مثلا استناداً لمبدأ المعاملة بالمثل؟ كذلك يمكن دمج المادة 38 التى تحظر الإساءة أو التعرض إلى الرسل والأنبياء كافة فى المادة 37 بحيث تأتى جملتها الثانية لتنص على أن تكفل الدولة حرية إقامة دور العبادة وحظر الإساءة إلى الرسل والأنبياء والمعتقدات والرموز الدينية كافة. والمؤكد أن التحدى هنا، وهذا سيُترك للقانون، هو كيف يمكن فى الممارسة الفعلية تطبيق حظر الإساءة إلى أو ازدراء الأديان دون فرض قيود على حرية الرأى والفكر والإبداع.
الحريات الأخيرة تضمنها بشكل جيد المادتان 39 و40 وتلزمان الدولة بالنهوض بالعلوم والفنون والآداب ورعاية المبدعين والمخترعين وهذا واجبها. فقط، كنت أتمنى إضافة جملة خاصة برعاية الأطفال الموهوبين والمبدعين، وإن كان يمكن تدارك الأمر فى مادة حقوق الطفل (67).
فى المقابل، لا تشير المادة 40 والتى تتناول حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق للحق فى المعرفة، لحق المواطنات والمواطنين فى المعرفة وهو الأساس الأخلاقى، ومن ثم الدستورى، لحرية الحصول على المعلومات وغيرها. فالمجتمعات البشرية طورت الدول وسلطاتها العامة ومؤسساتها وقبلت وجود الحكام لكى تُدار شئونها بكفاءة، إلا أن الدول الديمقراطية تضمن للمجتمع، أى للمواطنات والمواطنين، الحق فى معرفة الحقائق بشفافية كاملة بهدف تمكينهم من الاختيار الرشيد (إن فى صندوق الانتخابات أو حين حسم تفضيلاتهم المجتمعية أو حين تقييم الحكام). النص على الحق فى المعرفة ليس ترفاً، بل يمثل أساساً أخلاقياً وقاعدة دستورية راسخة تلزم الدول الديمقراطية بعدم التحايل على إتاحة المعلومات والبيانات والوثائق.
هنا أيضاً، المادة 40، ضرورة موضوعية للتعديل وإعادة الصياغة.
نتابع بالغد إن شاء الله.