مرر مجلس الوزراء فى اجتماعه الأربعاء الماضى تعديلاً للمادتين 277 و289 من قانون الإجراءات الجنائية. التعديل يقضى بعدم وجوب سماع الشهود سواء كانوا شهود نفى أو شهود إثبات، وسواء كانت النيابة أم الدفاع هما اللذين يطلبان سماعهم. وينتظر هذا القانون السماح بتمريره من رئيس الجمهورية.
لماذا تسرع الحكومة الآن باستباق البرلمان الذى نحن بصدد إجراء انتخاباته هذه الأيام بينما تعجل هى بإصدار هذا التعديل المقصود فى توقيته؟
المواطنون يعانون من مشكلات جمة تتعلق بوصولهم للعدالة ولحقوقهم فى المحاكم سواء لأسباب البطء فى التقاضى أو فى الإجراءات نفسها وتكاليفها أو بسبب التعامل مع الموظفين ولا معقولية البيروقراطية حيناً أو لسوء وضيق المحاكم وعدم وجود دورات مياه مناسبة أو مقعد يجلسون عليه وتعرضهم للطرد من طرقة لأخرى ومن مكان لمكان يقفون فيه أو لصعوبة تنفيذ الأحكام بعد صدورها أو بسبب علاقاتهم بالمحامين أو فى صعوبة إسماع القضاة شكاواهم مباشرة نتيجة ازدحام الرول بالقضايا. ويعانى هؤلاء المتقاضون الأمرين حين يسعون لإقناع شهود يحتاجونهم يثبتون بهم حقوقهم، لأن المواطنين لا يرحبون بالذهاب للمحاكم والانتظار طوال اليوم واقفين على أرجلهم منتظرين سماع أقوالهم التى تسهم فى تحقيق العدل وإحقاق الحق أو لأسباب أخرى خاصة، وقد لا تُسمع شهاداتهم من المرة الأولى فيضطرون للمجىء ثانياً أو ثالثاً، طبعاً مثل هذه الأمور لا تحدث فى قضايا يشهد فيها مسئولون أو رجال الضبطية القضائية.
كنا ننتظر من الحكومة أن توفر للمواطنين من الشهود أماكن لراحتهم أو تحديد ساعات محددة لسماعهم باعتبارهم يخدمونها ويساعدونها فى حفظ ومساعدة القانون وتحقيق العدل وتنوير القاضى، لأن الشهادة هى أن يدلى الشاهد ببيانات ومعلومات يعرفها عن الواقعة أو الجريمة، كنت أتصور أن تزيد الغرامة التى تقع على الشاهد لعدم حضوره للشهادة تسهيلاً لتحقيق العدل وتربية للمجتمع ألا يكتم قولة حق وأن ينصف المظلوم ويساعده بشهادته، فإذا الحكومة الآن، والآن فقط تسرع لإصدار هذا القانون الذى يصيب العدالة فى مقتل ويؤثر على حق المتهمين وقوة دفاعهم.
يعتبر رجال الضبطية القضائية شهوداً يذهبون فى كثير من الأحيان للمحاكم بناء على طلب دفاع المتهمين أو النيابة لسماع أقوالهم ومناقشتهم مثلاً فى الأدلة أو التحريات التى قدموها كأسباب للاتهام. إن استجلاء الحقيقة من الشهود أياً كانوا مواطنين عاديين أم من رجال الضبطية القضائية هو أمر يساعد فى الوصول للحقيقة ولا يجب منعه، ربما يمكن تجاهله والالتفات عنه بعد سماعهم، وهو أمر يقدره القاضى وحده، ولكنه من الضرورى والحتمى سماعهم طالما طلب المتهم أو النيابة أو الشاهد نفسه تقديم الشهادة التى قد تبرئ بريئاً أو تدين متهماً أو تكشف مزوراً وكاذباً.
ما يضير الحكومة أن يتم الوصول للعدالة باستجلاء الحقيقة؟ ولقد شاهدنا مراراً أمام القضاة وتبين أن أدلة الاتهام كاذبة أو ملفقة أو تخالف القانون وكثيراً ما وجدنا من تراجع عن شهادته السابقة.
يجب أن يكون سعينا جميعاً لإقامة العدل بين الناس وفى ربوع البلاد.
من يحمل وزر مظلوم؟!
الشهادة ضرورة خاصة أن نظامنا القضائى يجمع بين سلطتى التحقيق والاتهام مما يمنع رقابة تمارسها سلطة على أخرى وتصحح ما قد يكون وارداً من خطأ أو تجاوز مما يحقق عدالة أفضل، وحماية أفضل للأفراد وحرياتهم.
والآن تطلب الحكومة من القاضى ألا يستمع لشهود ولا تلزمه بإجابة المتهمين أو دفاعهم لإثبات براءتهم بذلك السبيل الذى قد يكون سبباً وحيداً لإثبات براءتهم.
إن الشهود خاصة الذين يقدمون للنيابة أسباباً للاتهام وسنداً للإدانة يجب أن يدافعوا عن أدلتهم وأقوالهم ومعلوماتهم أو تحرياتهم لا أن يصيبوا قوماً بجهالة قد يأخذ بها القاضى ويدين طبقاً للمكتوب فى الأوراق!