يلى مكون الحقوق والحريات السياسية فى الباب الثانى بمسودة الدستور (المواد من 42 إلى 49) مواد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتى تمتد من المادة 50 إلى المادة 61. وتتناول هذه المواد الحق فى التعليم والبحث العلمى والصحة والعمل والتأمين والضمان الاجتماعيين، وكذلك الحق فى الحياة الآمنة والمسكن الملائم والبيئة المجتمعية الضامنة للكرامة الإنسانية. فتنص المواد من 50 إلى 53 على الحق فى التعليم المطابق لمعايير الجودة ومجانيته فى المراحل المختلفة وإلزاميته فى مرحلة التعليم الأساسى، وتلزم الدولة بتخصيص نسبة كافية من الناتج القومى للبحث العلمى وذلك وفقا للمعايير العالمية وبالعمل على القضاء على الأمية خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور.
هذه المواد تترجم دستوريا توافقا مجتمعيا يتجاوز حدود التأسيسية، جوهره أولا حماية الحق فى التعليم المجانى الذى لا تستطيع مصر بكل الاختلالات الاجتماعية التى تعانى منها والفقر المزمن لقطاعات واسعة التنازل عنه. جوهره ثانيا إلزام الدولة بالاضطلاع بواجباتها فى مجالى البحث العلمى والقضاء على الأمية، وهى خلال العقود الماضية لم تفعل الكثير. فقط، وفى الشأن المتعلق بمجانية التعليم، يتعين النص على تنظيمها وفقا للقانون للحد من ظواهر فساد كثيرة تضر بالصالح العام من كفالة مجانية التعليم الجامعى للطالب الراسب إلى غياب حوافز حقيقية للالتحاق بالتعليم الفنى والصناعى.
أما المادة 54 فتقرر كفالة حق الصحة للمواطن وتوفير الدولة لخدمات الرعاية والتأمين الصحى وحظر الامتناع عن علاج أى شخص فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. نحن هنا أمام مادة مركبة، بها مضامين جيدة وأخرى تستدعى إعادة نظر. جيد أن يحظر الامتناع عن العلاج فى حالات الطوارئ والخطر وأن يرتبط الحظر بالشخص (أى الإنسان) وليس فقط بالمواطن. جيد أيضاً أن ينص على إشراف الدولة على المؤسسات الصحية ورقابتها على موادها ومنتجاتها ووسائل الدعاية المرتبطة بها. إلا أن النص على توفير الدولة لخدمات الرعاية والتأمين الصحى وفق نظام
عادل وعالى الجودة يتسم بالضعف الشديد ولا يضمن لا شمولية الخدمات الصحية لكل المواطنات والمواطنين ولا حماية حق المواطن وبمعزل عن مستوى الدخل فى الحصول عليها. يتعين، إن أردنا حماية حقنا فى الصحة، أن يتم النص صراحة على أن «تلتزم الدولة بكفالة خدمات الرعاية والتأمين الصحى لجميع المواطنين دون تمييز وذلك وفقا لنظام صحى عادل وعالى الجودة تغطى شبكته كل الوطن». وليس المراد هنا هو أن تقدم الدولة بمفردها عبر المؤسسات الصحية العامة خدمات الرعاية والتأمين، بل أن تضمن الدولة، بعمل تشريعى وتنفيذى محدد، شراكة المؤسسات العامة والخاصة فى كفالة الخدمات الصحية للمواطن، بما فى ذلك المواطن غير القادر.
النص على التزام الدولة هذا فى الدستور سيستتبعه مع بدء العمل بالدستور تعديلات تشريعية كثيرة ستطال قوانين الصحة والعمل والمعاشات والإعانات وربما الضرائب لإقرار مبدأ التشاركية بين القطاع العام والخاص وبين المواطن القادر وغير القادر. وسيدفع كذلك إلى تبنى سياسة تنفيذية جديدة تجمع بين الملكية العامة والخاصة لتقديم خدمات صحية تحترم الكرامة الإنسانية.
يتعين أن تصبح حماية الحق فى الصحة وكفالة الخدمات المرتبطة به التزام للدولة ومسئولية تضامنية لنا جميعا كمواطنات ومواطنين، وأن يترجم هذا فى الدستور بوضوح. المادة 54 تحتاج إلى تعديل جوهرى.