على هامش رحلتى إلى العاصمة الإيرانية «طهران» أكثر ما جذب انتباهى تجاه الشعب الإيرانى، الذى التقيت ببعض منه أثناء إصرارى على التنقل فى حافلات بسيطة وعادية «بعيداً عن الحافلات الدبلوماسية»، أنه توّاق إلى زيارة مصر، وعاشق لشعبها، ومتيّم بتاريخها وتراثها، خاصة الإسلامى منه، وأكثر خصوصية «أضرحة آل البيت»، واكتشفت أننى مخطئ عندما ظننت أن تلك المشاعر لا تعبّر عن انطباع حقيقى وداخلى لدى الإيرانيين، بل واعتبرتها مشاعر مزيّفة عندما قابلنى بها مندوبو رئاسة الجمهورية والوزارات المعنية بأمر الرحلة فى المطار، قلت فى نفسى هذه هى الدبلوماسية الحمقاء التى تخلط المشاعر بالسياسة، وتجعل البعض منا يتفوه بما يكره، ويرسم على شفتيه ابتسامة وهو بركان ينصهر من الداخل.
استدعت ذاكرتى تلك المشاهد وأنا أستمع لحلقة إذاعية على موجة «البرنامج العام» كان ضيفها السفير أحمد الغمراوى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، للتعليق على فعاليات القمة العربية التى انعقدت فى شرم الشيخ، وما حرّك بؤرة الذاكرة بداخلى لتعرض تلك الذكريات الحميمة ما قاله سيادة السفير بعد تعليق ضيف آخر بالاستوديو الإذاعى وهو الزميل عبدالله السناوى متحدثاً عن مصر وما تواجهه من تحديات، حيث ذكر ما نستمع إليه ليلاً ونهاراً حول «الدور السلبى الذى تقوم به إيران وتركيا تجاه مصر»، إلى ما انتهى إليه حديثه، ولكن جاء تحليل السفير أحمد الغمراوى فى غاية الأهمية، حيث ذكر وبوضوح أن مصر الضلع الأساسى فى القوة العربية الإسلامية، وأن تركيا وإيران هما ضلعا المثلث اللذان يجب أن يتكاملا مع مصر لكى تكون هناك قوة عربية إسلامية ترعد الغرب وتهدد كل من يفكر فى غزو المنطقة، وأكد من خلال رحلته الدبلوماسية الطويلة أن مسألة الشيعة والسنة والخلاف المذهبى بيننا وبين إيران ليس لها أى علاقة بالتكامل والاتفاق السياسى بين البلدين؛ لأننا نعقد هذا الاتفاق مع دول لا تدين من الأساس بالإسلام، فالأقرب لنا أن نعقده مع دول نعيش معها تحت مظلة دين واحد، وأن الغرب، كما أعلن من قبل، كان وما زال يعمل بقوة لخلق حرب طائفية ومذهبية لضرب المسلمين ببعضهم البعض، وأكد ما سبق وأشرت إليه أعلاه أن الشعب الإيرانى عاشق لمصر وتوّاق لزيارتها.
لقد وجدت أن حديث السفير جاد وفعّال وعقلانى، ويحمل الكثير من الحكمة والخبرة، وكان واضحاً فيه أن التحرر من المنصب يجعل الشخص أكثر جرأة فى طرح رأيه وتحليلاته السياسية، وتحديداً هذا هو الفارق الكبير بين من هم يجلسون على كراسى مناصبهم، ومن هم رحلوا عنها، بالضبط تلك هى الآراء التى يجب على السلطة فى بلدى «مصر» أن تستمع إليها وتعطى لها أذنيها، وتفكر جيداً فيما تطرحه.
إن إيران قوة يجب ألا نفقدها، ويجب ألا نستعديها، ويجب ألا نتركها تبحث عن شريك آخر لتندمج معه، ونفس الحال ينطبق على تركيا، فلماذا لا يكون هناك هدف مشترك وقاعدة تجمع كل هذه القوة، وأن يعقد بينها جميعاً صلح من أجل مصلحة الأوطان والشعوب معاً، وأيضاً من أجل مصلحة الوحدة العربية الإسلامية التى يجب أن تتم؟! مع العلم أن التاريخ القريب ضرب لنا خير مثال للوحدة لمواجهة المخاطر عندما قامت دول الغرب بكاملها بتنحية الخلافات جانباً وتوحدت عندما وجدت «هتلر وحزبه النازى» يشكل خطراً كارثياً عليهم وعلى شعوبهم.
لماذا لا يكون هناك سعى من الدولة المصرية إلى الصلح بين الحبيبة إلى قلوبنا جميعاً «الدولة السعودية» وبين «الدولة الإيرانية»؟ وفى تلك اللحظة لن يكون هناك أى داعٍ لكل ما يجرى من مؤامرات وإهدار للمال والسلاح والبشر، أعتقد أننا جميعاً خاسرون ونستنزف قوى بعضنا البعض إن لم نسعَ بشكل جاد وفعّال إلى بدء المراجعات والمصالحات الحقيقية بين تلك القوى التى ذكرتها والتى ذكرها قبلى صوت عاقل ورشيد من قلب الدبلوماسية المصرية.
فى النهاية لا أجد فى خلدى إلا أن أردد الترنيمة الخالدة: «وطنى (أمتى العربية والإسلامية) يا جنة الناس حاسدينها على جمالها وعلى مفاتنها».