الاجتياح البرى لليمن ليس بالأمر السهل. تجارب عديدة سابقة لجيوش عاتية تثبت صعوبة هكذا مهمة، فالجيش الذى يقوم بالاجتياح يحارب مقاتلين خرائط أرضهم مرسومة جيداً فى عقولهم، فى مواجهة جنود كل معلوماتهم عن الأرض التى يطأونها مصدرها مجموعة من الخرائط الورقية، ويتمتع «ابن البلد»، مهما كان فساد نيته وسوء طويته، بذريعة أخلاقية عليا تتمثل فى انتمائه إلى الأرض التى يدافع عنها، فى مقابل جنود، مهما كان نبل هدفهم، فإنهم من السهولة بمكان أن ينظر إليهم كغزاة. وقد يكون الأفراد العاديون من أبناء المجتمع الذى تقرر اجتياحه برياً غاضبين ورافضين لممارسات أبناء بلدهم الذين جلبوا لهم التدخل الخارجى، لكن انحيازهم لهم فى النهاية وارد جداً، خصوصاً إذا طالتهم الحرب على المتمردين بنارها. فلا مناص من أن ينظروا إلى الغريب الوافد كأجنبى، الذى إذا تمكن، فلن يقل قسوة عن «ابن البلد».
ربما كان قرار التدخل البرى هو أخطر القرارات التى تتخذها أية قيادة عسكرية عند إدارة الحرب، لذلك فهو يحتاج دائماً إلى قدر كبير من التريث وعدم الاندفاع، بحيث لا يُتخذ إلا فى حالة الاطمئنان الكامل إلى أنه سيكون معقول الكلفة، ومأمون العواقب. فى لعبة الشطرنج تظهر مهارة اللاعب من خلال قدرته على الحفاظ على «العساكر»، لأن العسكرى فى النهاية هو القادر على تأمين الطابور الطويل العريض من القطع الشطرنجية الأخرى التى تصطف وراءه، اللاعب الأقل مهارة هو الذى يتساهل مع العساكر ويعمل على إهدارها، ويحاول أن يتقدم بها إلى الصفوف الأمامية، وتكون النتيجة خسارتها فى الأغلب.
الاتحاد السوفيتى دفع ثمناً غالياً عندما قرر اجتياح أفغانستان برياً عام 1979، ومن بعده سقطت الولايات المتحدة الأمريكية فى المستنقع نفسه، عندما قررت اجتياح بلاد الأفغان عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001. تكرر هذا المشهد مع العدو الإسرائيلى عندما قرر اجتياح غزة برياً، وكذلك اجتياح لبنان، ويكفى أن أذكّرك بما قاله «شارون» وهو يصف غزة بأنها «الجحيم بعينه».
والنتائج التى تترتب على التدخل البرى فى أية دولة لا تكون إيجابية بحال بالنسبة لأهلها، فليس لها سوى واحدة من نتيجتين، كما تقول التجارب، يمكن أن تتمخض عنها، أولها هو الانقسام الشعبى فى المواقف والاتجاهات، وثانيها هو التقسيم. وتستطيع أن تقول إن الانقسام عادة ما يكون مقدمة للتقسيم وتفكيك الدول. انظر على سبيل المثال إلى النموذج العراقى، وستجد أن الغزو الأمريكى له عام 2003 هو الذى وضع بذور الانقسام وغذّى الطائفية المستندة إلى أسس مذهبية وعرقية بين أهله. وبمجرد خروج الأمريكان من العراق (2011)، بدأت لعبة التقسيم فى الظهور، فتربع الشيعة فى أماكن، وأقام «الدواعش» السنة ما يسمى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام، ناهيك عن تسلطن الأكراد على أراضيهم، ومطالبة تيارات منهم بإنشاء دولة عرقية مستقلة عن العراق. ترتيباً على ذلك يمكن القول بأن الثمن المدفوع مقابل أى تدخل برى من جانب دولة فى دولة أخرى غالٍ، إن لم يكن باهظاً، على من يجتاح أو من يستقبل الاجتياح.. الكل خاسر، لكن خسارة «الداخل» أكبر!.