لقد كشفت ثورة 25 يناير 2011م عن مشاكل فى داخل الأسرة المصرية، ومن أهمها ما يتعلق بالطفولة التى تحتاج إلى ما يمكن تسميته بـ«ثورة إنقاذ الطفل المصرى» من الفكر الإرهابى الذى لا يعرف الحب بمعانيه البريئة ولا الانتماء لقرابة الدم والنسب والوطن، كما لا يفهم الدين الصحيح الذى يملأ القلب رحمة وتسامحاً، ولا يدرك الفكر السليم الذى يتعايش مع ثقافة الاختلاف فى الدين واللون والجنس.
واكتشف المصريون بعد سرقة الإخوان لثورتهم واستيلائهم على الحكم فى 2012م أن الإخوان وأذنابهم ممن وصفوا أنفسهم بالسلفيين أو التيار الإسلامى كتجارة دينية كانوا قد أفسدوا على مدار ثمانين سنة سابقة فى أطفال المصريين ذكوراً وإناثاً مختبئين فيما سموها مدارس إسلامية، ومعسكرات أو كشافة إسلامية، يعلمونهم الكراهية لوالديهم وأشقائهم وأعمامهم وأخوالهم وجيرانهم ممن لا ينتمون لجماعتهم العنصرية، ويدربونهم على العنف والتبجح والمعاندة حتى الموت لفرض الرأى على الآخرين قسراً.
كما اكتشف المصريون أن نشاط الإخوان، الذين تأسسوا سنة 1928م، والسلفيين، الذين تأسسوا سنة 1926م، والجمعية الشرعية، التى تأسست سنة 1912م، فى جمع الزكوات والتبرعات والهبات، كان علنياً وممتداً فى ربوع محافظات ومدن وقرى ونجوع مصر باسم العمل الخيرى ورعاية اليتامى، حتى إن رئيس الجمعية الشرعية كان يتباهى فى ذات يوم بأن ميزانية جمعياته فقط، دون ميزانية الإخوان والسلفيين، تقترب من ميزانية إحدى الدول، ولكن وبكل أسف كانت تلك الأموال تُنفق على ما يُسمى بالدعوة الإسلامية من أجل إقامة دعوة دينية مغرضة تنشر الفكر المتطرف العنصرى الكاره لوطنه والمشكك فى إسلامية شعبه، وذلك بالتوازى مع الدعوة الدينية العلمية البريئة المستقرة التى يقوم بها أساتذة الأزهر فى مساجد مصر الوقفية. واتضح أن هذا التيار الذى وصف نفسه بالإسلامى من الإخوان والسلفيين والجمعية الشرعية لم يكن من أولوياته إنقاذ الطفولة المتشردة ورعاية اليتامى الذين تم جمع أموال أهل الخير باسمهم، فقد كان يهدف إلى تجنيد الشعب ضد دولته باسم الدين، فنهب أموال اليتامى للإنفاق منها على الدعوة الإخوانية، وخدع المصريين بتسميتها الدعوة الإسلامية مع غناء المصريين بالأزهر، وكأنه كان متعمداً لإبقاء ظاهرة أطفال الشوارع ليستخدمهم كرة لهب يحرق بها الشعب المصرى الذى انتبه لذلك مؤخراً، فكان من مصلحة هذا التيار الخائن أن تتفاحل مشكلة أطفال الشوارع وتزداد. وهذا ما يفعله الداعشيون بالعراق اليوم بطريقة ممنهجة وفى العلن فيما كشفه مرصد التكفير، التابع لدار الإفتاء المصرية، أن هذا التنظيم الغاشم يقوم حالياً بتجنيد الأطفال كاستراتيجية لترويض جيل مقبل يحمل أيديولوجيته المتطرفة والإرهابية لضمان ديمومته لعقود مقبلة. ويثبت القرآن الكريم أن نور الله تعالى لن ينطفئ فى الأرض وكنانتها مصر؛ لأن الحق هو الباقى مهما اجتمعت قوى الظلام، فيقول سبحانه: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (الصف: 8). ويقول سبحانه: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (المجادلة: 19). وستبقى مصر بلد الأمان كما قال سبحانه: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» (يوسف: 99). وسيكون حفظ الله لمصر بيد شعبها وناسها وليس بملائكة السماء؛ حتى يحظى المصريون بشرف الانتساب إلى الله فيمن قال سبحانه فيهم: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» (المدثر: 31)، وحتى ينالوا ثواب الشهادة التى دعاهم الله إليها فى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» (التوبة: 111).
وبناءً على القاعدة القرآنية «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» (المائدة: 32)، فإن ما قدمه المايسترو الأستاذ «سليم سحاب» يوم الثلاثاء 24/2/2015م على مسرح جامعة القاهرة من عرس فنى راقٍ يعد إحياءً لجميع أطفال الشوارع فى مصر، حيث قام باختيار 70 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 - 14 عاماً من بين 800 طفل التقاهم واستمع إلى أصواتهم من دور الرعاية الاجتماعية (الملاجئ) بهدف تغيير مسار حياتهم وإعادة تأهيلهم مجتمعياً بتعليمهم الغناء الوطنى والترفيهى المباح؛ لامتهان الفن الأصيل الموهوبين فيه بالفطرة، ما أدى إلى رفع حالتهم المعنوية وساهم فى تحسين تصرفاتهم وسلوكياتهم.
والعجيب أن هذا المايسترو المصرى اللبنانى الفلسطينى المحترم مع اعترافه بالمعاناة التى تحملها فى اختيار المؤهلين من أطفال الملاجئ وتدريبهم، فإنه يعلن عن إصراره فى إعادة المحاولة لاختيار أطفال جدد؛ لإيمانه بأن الفن يمكنه القضاء على ظواهر التعصب وتقويم الأخلاق. وبهذا التصرف الأخلاقى عرفنا الفرق بين من يقدم الحياة والأمل للأطفال وبين من يقدم الموت والإرهاب لهم.
ولا يفوتنى أن أشيد بتواضع المايسترو «سليم سحاب»، وبتعبير أدق أحيى أمانته العلمية عندما نسب شرف الفكرة التى أبهر المصريين بها إلى أصحابها فأعلن أن فكرة تأهيل أطفال الشوارع فنياً سبقت إليها دولة فنزويلا منذ 30 عاماً، كما سبقت إليها دول أخرى غيرها، وكأنه يلقن كثيراً من النخب درساً فى أمانة حفظ حقوق الآخرين الفكرية، وأن لا يفرح السارقون لنجاح غيرهم كما قال سبحانه: «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران: 188).