قبل ستة أعوام سأل أحد الصحفيين أوباما بعد خطابه الشهير فى جامعة القاهرة: «هل سيقول شيئاً عن نظام مبارك الاستبدادى؟»، فكان رده: لا يعجبنى استعمال القوالب الجاهزة للحديث عن الرجال، ولذلك لن أصفه بالاستبدادى، إنه شخص جيد يريد الخير لبلاده ويبقيها مستقرة وهو حليف متعاون. يحدث ذلك قبل أعوام للتعبير عن الغفلة الأمريكية أو سمها «الطناش الأمريكى المنظم»، ما دامت التطورات دائماً فى صالحهم وتسير حسب هواهم، فلا يهم من فى السلطة سواء كان مستبداً أم عادلاً، يحب شعبه أو يكرهه، يمقت الديمقراطية أو «يموت فى دباديبها»، وهذا الطناش المصلحى الأمريكى لا يمكنك تمريره وتجنب الوقوف أمامه لدى أصحاب العقول لأنهم لم يكونوا منخرطين فى تفاسير تآمرية فإنهم سيغلبون المنطق للحكم على الأشياء التى تحضر مع جميع تناقضاتها فى الوقت نفسه، فلا يذهبون مذهب «عمر الجيزاوى» بسذاجة المتلقى، أو استعباط «فؤاد المهندس» الممتع، أو سلوك «إسماعيل يس» فى «العتبة الخضراء»، ولو حضر الجيزاوى والمهندس ويس معاً لانتابتهم نوبة «استيقاظ» من سذاجة مقصودة لإضحاك الجماهير، تمكنهم من قراءة عبث التصريحات الأمريكية المتتالية عن «عاصفة الحزم» وما قبلها من تطورات، فلا أوباما وصحبه يطمعون فى بن أرض القات ولا يرغبون فى النسيان بـ«التخزين»، فهم يدركون تماماً ما يريدون، وسواء تقدمت دولة ما صفوف الاستخدام أو تأخرت فكلها مجرد أوراق لعب على الطاولة الكبيرة «إعادة ترتيب المنطقة»..!
«كيرى» يصرح وكأن ما يقول مفاجأة ويريدنا أن نستقبلها بفتح «الأفواه»، و«نظرة استعباط وهبل» مماثلة لما كان يفعل الجيزاوى: «أمريكا تعرف أن إيران تقوم بتسليح المتمردين الحوثيين الشيعة ولن تقف مكتوفة الأيدى، بينما تجرى زعزعة استقرار كل المنطقة»، ومن كلام «كيرى» لدينا الملاحظات التالية:
أولاً: «كيرى» يعلن عن الحضور الإيرانى، رغم أن أى طفل فى المنطقة العربية يعلم تمام العلم أن إيران تسلح وتمول الحوثيين.
ثانياً: لماذا تركت الولايات المتحدة الحوثيين يتمددون ما دامت تخاف على اليمن واستقراره؟
ثالثاً: تدرك واشنطن تماماً الدور الإيرانى المتصاعد والساعى للهيمنة على المنطقة، ومن ثم فالتصريح بدورها عن زعزعة استقرار المنطقة ليس إلا «إباحية سياسية» من البيت الأبيض.
رابعاً: إيران ستقود معركتها مع العرب من الباب الأمريكى «هناك اتفاق نووى نهائى فى الأفق» و«صراع فى اليمن» بدأ فى التشكل ليأخذ بعداً مذهبياً «سنة - شيعة»، إذن اليمن ورقة فى المفاوضات بشأن إيران، وأيضاً اليمن ورقة فى المفاوضات النووية..!
خامساً: جر إيران إلى صراع واضح فى المنطقة مع العرب أفضل من جهتين «استنزاف طهران واستغلال العرب»، والنتائج جميعها تصبح فى الصالح الأمريكى.
سادساً: اللاعبون الآن فى المنطقة «إيران والسعودية والولايات المتحدة»، والباقى يلعبون أدواراً بدءاً من «السنيد» حتى «الكومبارس» الذى ينفذ المشاهد الخطرة بدلاً من البطل..!!
سابعاً: اللعبة القديمة الجديدة «كيرى» يتحدث وسط أجواء محمومة غير مسبوقة فى عموم المنطقة «تنتظر فتيل الاشتعال»، حتى المتطرفون فى باكستان وأفغانستان أدلوا بدلوهم؛ «ربانى» يعلن استعداده لإرسال مقاتلين للحرب مع السعودية مع إشارات قوية عن حماية المقدسات، رغم أن الخطاب المعادى لم يشر قط إلى تهديد مكة أو المدينة..!!
ثامناً: واشنطن التى تعلن أنها حريصة على المنطقة هى نفسها واشنطن التى زعزعت استقرارها وأفضت بها إلى مصير التقسيم والتفتيت «حالة العراق وسوريا».
تاسعاً: فصول المسلسل الإيرانى السعودى بإخراج أمريكى سيستمر كصراع للديكة، وفى الخارج الكاوبوى يرتدى ثياب الحكم الذى يطلق صفارات ليس للانضباط داخل الحلبة، بل لإذكاء الصراع، أى ممارسة ما يجيده من ألعاب يذكرها التاريخ سواء كانت البقعة فى آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو حتى أوروبا نفسها..!!
«كيرى» ودولته يتحدثان بلسان ثيوسيديدس: «للأمم الكبيرة أن تفعل ما تشاء، وللأمم الصغيرة أن تفعل ما يتوجب عليها فعله»، وهذه الأمم الكبيرة تجيد صناعة الشرور لتنشغل بها الأمم الصغيرة التى تجرى وراء «الطعم» فتجد نفسها فى سيرك منصوب من هناك، تقررت بدايته وأيضاً نهايته لكن لا يعرف المهرجون أو لاعبو الأكروبات متى تقرر البداية ومتى ستكون النهاية..؟!