آخر العنقود ماتت.. قتلها زوجها برصاصة بعد 5 سنوات من قتل زوجته الأولى
«جايلك عريس يا ندا.. صل استخارة وربنا يكرمك إن شاء الله».. عبارة تفوه بها أحمد المصرى، تاجر القماش الشهير، مخاطباً ابنته الصغرى «ندا». لم يبق غيرها من أبنائه لم تتزوج، تمنى الرجل أن يطمئن عليها بعد أن تزوج أبناؤه «محمد وأحمد وزينب وأميرة».
تقدم لخطبتها «أحمد العش»، نجل عبدالوهاب العش أحد تجار القماش المعروفين بالمنصورة، ووعد والد «ندا» باعتبارها ابنته وليست زوجة نجله فحسب.. إلا أن الوعود ما لبثت أن أصبحت سراباً بعد الزواج، لتكتشف العروس أن زوجها يتخذ من تجارة القماش ستاراً للاتجار بالأسلحة والمواد المخدرة.. وأنه يتعاطى المخدرات ومرتبط بعلاقات نسائية متعددة، فضلاً عن أخ مسجل خطر وسبق ضبطه والحكم عليه فى قضية العثور على مخازن للمواد المخدرة وأقمشة مهربة من الجمارك بالسلام.
«ندا» علمت الكثير عن زوجها.. لم تبلغ أحداً من أسرتها بما كشفته لها الأيام أو بالمشاكل التى بينهما.. دافعت عن اختيارها وتحملت الفاتورة الثقيلة ودفعت ثمناً باهظاً.. فالثمن كان حياتها.. ماتت «ندا» برصاص زوجها بعد قرابة عام ونصف من زواجهما.. لا أحد يعلم ما جرى فى تلك الليلة.. «ندا» ماتت وسرها معها.. ماتت ومعها أحلام فتاة عشرينية كان حلمها العيش فى كنف زوجها كما كان الحال فى بيت والدها التاجر الثرى.. حلمت كثيراً وكثيراً إلا أن القدر قال كلمته واختطفها الموت برصاصة فى بطنها التى حملت -قبل أشهر قليلة- صغيرها «عمر»، الذى طالما حلمت به، إلا أن الموت لم يمهلها لتربيته.
«ندا أحمد المصرى» 21 سنة هى أصغر أشقائها.. تخرجت من مدرسة نبروه الثانوية، والتحقت بأكاديمية الدلتا، فاكهة البيت هى.. آخر العنقود.. جميلة وعلى خلُق ومتدينة.. تصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع.. تحافظ على صلاتها وتحفظ قدراً لا بأس به من القرآن الكريم.. كان يشتهى أفراد أسرتها الطعام من يدها.. قليلة الكلام حتى معهم.. طيبة.. تعرفت على صديقتها الأقرب لها خلال أيام الدراسة الأولى بالأكاديمية.. انضمت إلى اتحاد الطلبة.. شاركت فى مؤتمراته.. انتقلت للفرقة الثانية لكنها لم تكمل دراستها بأكاديمية الدلتا بسبب تقدم «أحمد عبدالوهاب العش» 29 سنة لخطبتها، وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياتها، التى رأت أنه لزاماً عليها ترك الدراسة للتفرغ لشئون منزلها، ولـ«عبدالوهاب» نجل زوجها من زوجته الأولى «سامية» التى قُتلت بالرصاص داخل نفس الغرفة التى قُتلت فيها «ندا»، إلا أن أهلها قبلوا الدية وتنازلوا عن اتهام الزوج بالقتل، وتم قيد القضية قتل خطأ.[FirstQuote]
بدأت الأسرة فى تجميع المعلومات عن الزوج، علموا أنه كان متزوجاً من قبل، وأن زوجته الأولى «سامية» لقيت مصرعها مقتولة بالرصاص فى 2009، وعلموا أن لديه منها طفلاً يُدعى «عبدالوهاب»، إلا أن بعض المعلومات لم تتضح لهم. كان «أحمد» يلعب دور القديس، حين كان يتوجه إلى زيارة «ندا» فى فترة خطوبتهما.. «أنا مش بشرب حشيش وماليش فى المشى البطال الحمد لله.. ومن يوم وفاة مراتى الأولى سامية، الله يرحمها، بطلت أشيل سلاح أو أدخله بيتى حتى.. نفسى نفرح سوا وربنا يكرمنا بولد يملى علينا الدنيا هو وعبدالوهاب».. كلام معسول وأحلام وردية زائفة راقت لـ«ندا»، الفتاة التى حلمت بهذا من قبل، الأم تقول لابنتها «يا بنتى دا معاه ولد من واحدة قبلك ماتت مقتولة» فيكون ردها: «وماله هاربيه ويدخلنى الجنة إن شاء الله».. ووسط موافقة بعض أفراد الأسرة ورفض آخرين، تمت الموافقة، وأُقيمت مراسم الزواج فى فندق شهير بالمنصورة فى شهر نوفمبر 2013.. وانتقلت للعيش معه فى بيت العائلة، حيث يقطن هو وأشقاؤه الـ6 بصحبة والدهم.
رُزقت «ندا» بطفلها الأول والأخير «عمر»، بمجىء الطفل نسيت أو تناست الهموم والليالى الثقال، ومرارتها التى تجرعتها على يد زوجها وتصرفاته الشيطانية التى كلت منها، وأخفتها عن أسرتها، إلا قليلاً، بعدما فاض الكيل، فى إحدى الليالى هاتفت والدتها قائلة «ماما.. أحمد مخبى مسدسات فى الخزنة هنا.. لو حد سألنى عليها أقول إيه أنا مش عارفة أتصرف».. شهر مارس الماضى كان شهر المفارقة فى حياة المغدورة.. فى يوم 18 كان عيد ميلادها.. احتفلت به فى المنزل مع صديقات الدراسة القدامى، لم تجد حرجاً فى التحدث لهن عما تعانى منه.. وفى نهايته كانت نهايتها..
يوم 18 مارس.. بعد صلاة العشاء.. توافدت صديقات «ندا» للاحتفال معها بعيد ميلادها الحادى والعشرين، تحدثت «ندا» مع إحدى صديقاتها قائلة «فى مرة لقيت كيس جواه حاجة بنى كده.. عرفت أنها حشيش ورميتها، وهو لما جه البيت سألنى وقالى فى كيس كنت شايله هنا راح فين.. قلتله أنا رميته».. تنهمر الدموع من عينيها وهى تتذكر ما حدث، حينها أشهر «أحمد» سلاحاً غير مرخص كان بحوزته فى وجهها وهددها بإطلاق النار عليها إن تكرر الأمر، فكان ردها عليه «قادر وتعملها يا أحمد».. حاولت صديقتها التخفيف عنها بتهنئتها وإطفاء الشموع.
بعد 12 يوماً من الاحتفال بعيد الميلاد.. وتحديداً يوم 30 مارس الماضى.. نشبت مشادة كلامية بين «ندا» وزوجها «أحمد» التى سئمت من تكرار نصائحها له بالإقلاع عن تعاطى المخدرات. عقارب الساعة تشير إلى 10:15 مساءً.. حالة من الفوضى تعم المنزل.. سماع دوى إطلاق رصاص.. ثم سكون.. دقائق تمر، أحد قاطنى العقار يُشاهد «محمد» شقيق الزوج القاتل يسحب «ندا» على سلم المنزل غارقة فى دمها، ويهرول عليها ممسكاً بقطعة قماش لستر جسدها.. زوجات أشقاء المتهم يحاولن إخفاء آثار الجريمة ويتلاعبن بمسرحها يمسحن الدماء التى سالت بالغرفة وعلى السلم.. يخبئن متعلقات «ندا» الذهبية.. ثم يستقللن سيارة بصحبة «محمد» شقيق الزوج القاتل.[SecondQuote]
شقيق «ندا» كان عائداً من أحد الأفراح.. رن هاتفه.. تخبره أمه أن شقيقته على خلاف مع زوجها وتطلب منه التوجه إلى منزلها وإحضارها إلى البيت بأسرع وقت.. على الجانب الآخر شقيقة «ندا» تهاتفها «فى إيه يا ندا يا حبيبتى؟» لا تسمع سوى صوت زوجها وهو يعنفها ويمطرها بوابل من الشتائم ثم يُفقد الاتصال.. دقائق تعاود الأخت الاتصال بالشقيقة الصغرى تسمع صوت والدة زوجها تقول «أختك ضربت نفسها بالنار».
توجه الأخ المكلوم إلى المنزل، فوجد مجموعة من النساء يمسحن أرضية المنزل، ويخبرنه أن شقيقته بمستشفى الجامعة بالمنصورة، توجه إلى هناك مستقلاً سيارته وكان الرد أن المستشفى لم يستقبل حالات مصابة بطلق نارى.. ومنها إلى مسشتفى «طلخا» ليجد نفس الرد من طاقم أطباء الاستقبال.. فى طريق العودة من «طلخا» تقابل «أحمد» شقيق «ندا» مع شقيق زوجها، وكان الأخير مستقلاً سيارته بصحبة عدد من النسوة والأطفال، يسأله شقيق المجنى عليها «فين ندا يا محمد؟» ليخبره أنها فى المستشفى العام، ويسلك خلفه الطريق ليتضح له أن شقيق الزوج القاتل يسلك طريقاً للهرب وليس متجهاً للمستشفى.. شقيق «ندا» يتوجه إلى المستشفى العام ليجد شقيقته جثة هامدة.. بوجه بشوش مستبشر.. والممرضة تقول: «البقاء لله هى جاتنا ميتة».
قوات الشرطة تصل إلى مكان الحادث، وتلقى القبض على الزوج القاتل قبل محاولة الهرب، وتحرر محضراً بالواقعة، تُحيله إلى النيابة العامة.. رغم محاولاته البائسة للإفلات من العقاب بالإنكار.. لم يجد المتهم بداً من الاعتراف تفصيلياً بارتكاب الواقعة، ووجهت له النيابة العامة تهمة القتل العمد.[ThirdQuote]
أهالى مدينة نبروه نظموا تظاهرة بعد يومين من وفاة المجنى عليها.. طالبوا فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والنائب العام المستشار هشام بركات بالقصاص من القاتل «أحمد العش»، رفعوا صوراً له عليها عبارة «الإعدام لأحمد العش».. «أحمد» الذى قتل «ندا» عمداً وقتل قبلها «سامية» زوجته الأولى عمداً.. «سامية» التى فرطت أسرتها فى دمها والقصاص العادل نظير مبلغ مالى لا يعوضها.. «أحمد» قتل «ندا» واعترف بجريمته.