اشتهرت حكومة ما قبل الثورة باسم الحكومة الذكية، وذلك لوجود سبعة وزراء ضمن تشكيلها أساس خلفيتهم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أو الهندسة الإلكترونية، بالإضافة إلى كم المشروعات المعلوماتية التى أنجزتها تلك الحكومة، وبصرف النظر عن تقييم مدى نجاح هذه المشروعات من عدمه فى تنفيذ أهدافها، التى وضعت لها مسبقاً والذى يحتاج تقييمها إلى مساحات أكبر بكثير من هذا المقال، إلا أن بعض هذه المشروعات مكنت أجهزة الدولة من الحصول على كم كبير من البيانات، والتى ما زال يتواصل تدفقها يومياً، والسؤال الذى يجب أن نطرحه اليوم هو كيف يمكن للدولة الاستفادة من هذا الكم من المعلومات المتدفقة يومياً؟
الإجابة نجدها فى تقارير مؤسسة جارتنر أكبر مؤسسة لأبحاث سوق تكنولوجيا المعلومات بالعالم، والتى تؤكد كل عام أن وجود تقنية تحليلية للبيانات والمعلومات يأتى ضمن أهم عشر أولويات فى عالم تقنية المعلومات والاتصالات منذ عام 2007، وحتى عام 2015. والمعنى أن الحكومة يتوجب عليها أن تتحول من عصر الذكاء المعلوماتى -الذى يعتمد على مجرد تسهيل الخدمات الحكومية من خلال ميكنتها وجمع البيانات الحكومية اللازمة- إلى العصر المعرفى. فلا يخفى على المتخصصين أن استخدام الحكومة للكميات الضخمة من البيانات التاريخية المتاحة لديها بشكليها المنظم (المهيكل) وغير المنظم (غير المهيكل) يساعد فى إنتاج نماذج تحليلية معقدة تساعد على إنتاج كميات من المعلومات المتطورة والمعرفة التى تؤدى إلى فهم أعمق وأسهل للمشكلات مما يؤدى لتصميم حلول خلاقة لحلها.
وحتى يتم التحول إلى عصر الحكومة المعرفية تحتاج الحكومة إلى أن تتوفر لها بيانات متسقة ومدققة عن كل نشاط بالدولة (بالرغم من وجود محاولات فردية فى هذا الإطار فى بعض الهيئات الحكومية)، وهو الأمر الذى يعرف الكثيرون أنه غير موجود حتى الآن. لذلك أدعو لتدشين مشروع قومى لإنشاء مستودعات بيانات حكومية موحدة (Unified Governmental Data Warehouses) تستطيع أن تقوم بتوفير نسخة موحدة لحقيقة الوضع (Single Version of Truth) على مستوى كل وزارة أولاً، ثم يتم الانطلاق منها لبناء مستودع بيانات حكومى موحد، مع اقتران تلك المستودعات للبيانات بلوحات تحليلية (Analytical Dashboards) يسهل الوصول إليها من خلال الإنترنت، أو حتى الأجهزة اللوحية الأمر الذى يمكن السادة لوزراء والسيد رئيس الجمهورية من متابعة الوضع بالدولة بشفافية كاملة دون انتظار تقارير تجمّل الوضع.