عندما ارتديت الحجاب، وجدت من يهنئوننى كأننى أخيراً دخلت الإسلام: «أخيراً ربنا هداكى»، «ربنا أكيد حيكرمك علشان سمعتى كلامه»، «ألف مبروك»، وفى المقابل وجدت من ينتقدوننى وكأنى تنازلت عن مبادئى: «انتى قلبتى إخوان»، «مش هتقلعى الزفت اللى على رأسك»، وجدت من يسخرون وينادينى: يا أختى المؤمنة، يا محجبة، ومن يقولون: «إيه؟ خلاص قلبنا تكفير وهجرة؟». سألنى البعض: شعرك جميل ونظيف ولبسك محتشم، وأنت متزوجة، فلماذا ادعاء التدين، بوضع قماشة على الرأس؟، لماذا تحجبتِ؟.
لن أنكر أن قصتى مع الحجاب جاءت بمحض الصدفة، فمنذ عامين، فى أول يوم من رمضان قبل الإفطار سألتنى خالتى كعادتها فى كل اجتماع للأسرة: «هتلبسى الحجاب إمتى؟»، وكان دائماً ردى جاهزاً: بعد أن أرزق بعمرة، فرفعت يديها وقالت اللهم ارزقها عمرة، وكأن أبواب السماء فُتحت لدعائها، ففى اليوم التالى أُبلغت أننى سأسافر لأداء مناسك العمرة، وعقب عودتى قررت أن أرتدى الحجاب فقط لله.
كان من حظى أن أرتدى الحجاب فى وقت «موضة خلع الحجاب»، ومنذ ذلك الوقت وحتى الدعوة التى أطلقها الكاتب شريف الشوباشى لمظاهرة «خلع الحجاب»، وأنا أدخل بشكل يومى فى معارك تستفزنى مع مصادرى بحكم عملى فى مجال حقوق المرأة، حول الضغوط الاجتماعية التى تُجبر الفتيات على ارتداء الحجاب، أو أنها ترتديه لعدم قدرتها على الإنفاق على «الكوافير»، أو لأنها موظفة، ولديها أطفال، فتفضل أن تنفق أموالها على أطفالها بدلاً من الذهاب لـ«الكوافير»، هذا بخلاف حديثهم عن أن الحجاب سبب فى قبح مصر ونسائها، بعد أن كن رمزاً للأناقة والشياكة فى الخمسينات والستينات، وأن من ترتديه فى مصر، إنما تتبع الأمر كتقليد أعمى للأفكار الوهابية الرثة التى غزت بلادنا مع بداية السبعينات من القرن الماضى، مع سفر الكثير من المصريين لدول الخليج سعياً وراء الرزق، بعد أن ضاق بهم الحال فى مصر، ثم عودتهم محملين بأموال بلاد النفط، وبالوهابية.
الغالبية العظمى من الفتيات المصريات اليوم، لديهن الحرية، حرية أن ترتدى المايوه أو تلبس الحجاب، ومن يدعو النساء لخلع الحجاب، إنما يتدخلون فى حرية التفكير والضمير والعقيدة، خصوصاً أن الحريات تدخل فيها حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، سراً أو جهراً أو وسط جماعة، من قال إن الحجاب سبب فى القبح أو البهدلة أو انعدام مستوى الجمال بين النساء! أو قال إن الجمال فى التباهى بالشعر والجسم والعرى!، من قال إن ملابس الحجاب رخيصة لذا تقبل عليها الفقيرات فى مصر؟.
أما عن فكرة أن المحجبات وقعن تحت ضغوط المجتمع، وأن غالبيتهن مُجبرات من أهلهن أو أزواجهن على ارتدائه، فهذا غير صحيح، وإن وُجدت فهى بنسب قليلة فى فتيات منعدمات الشخصية، فأنا وصديقاتى وزميلاتى وكل من عرفتهن من محجبات تقريباً فى المدرسة أو الجامعة أو محيط العمل، جميعهن ارتدين الحجاب برغبتهن الشخصية، دون أن يفرض عليهن أحد من الأمر شيئاً، لذلك أرى أن الدعوة لـ«خلع الحجاب»، ما هى إلا استهلاك للأدوات الاحتجاجية فى غير محلها، وتمثل فى حد ذاتها نوعاً من التطرف والتشدد، لا يختلف كثيراً عما يفعله السلفيون فى فتاواهم ضد النساء.