تلقيت دعوة كريمة للمشاركة ولإلقاء بحث رئيسى فى مؤتمر تنمية أفريقيا الذى انعقد خلال الفترة من 3 - 4 أبريل وقامت بتنظيمه مدرسة كينيدى بجامعة هارفارد العريقة فى مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية. وكان المؤتمر يتكون من جلسة افتتاحية ألقى فيها السيد رئيس جمهورية النيجر كلمة مطولة، وتلت هذه الجلسة فى اليوم الثانى تسع جلسات متخصصة، كل ثلاث منها كانت تعقد بالتوازى ولمدة ساعة ونصف الساعة، وذلك فى المجالات الاقتصادية والتنموية والسياسية المختلفة. وكان اهتمام المؤتمر منصباً على قضايا الغذاء والمياه والتنمية الزراعية والنقل والخدمات اللوجيستية. وكانت الدعوة الموجهة لى تشمل المشاركة فى أنشطة المؤتمر بصفة عامة ولإلقاء كلمة رئيسية فى الجلسة الخاصة بنهر النيل كمثال للأزمات والحلول فى الأنهار الدولية. ونظراً لأننى خريج جامعة إم آى تى الأمريكية، التى تقع أيضاً فى مدينة كامبريدج والمنافس التقليدى لجامعة هارفارد، فقد طلبت منى الجامعة إلقاء محاضرة عامة عن ملف حوض النيل ومشاكله المائية وذلك قبل انعقاد مؤتمر تنمية أفريقيا بيومين، وقد حضر هذه المحاضرة عدد كبير من أساتذة المياه والعلوم السياسية والاقتصاد من جامعة إم آى تى، وكذلك بعض الأساتذة من جامعة تفتس (Tufts) العريقة، التى طلبت منى أيضاً إعطاء محاضرة فى مدرسة فليتشر للدبلوماسية والمناظرة لمدرسة كينيدى بجامعة هارفارد. وتلقيت دعوة أيضاً لإعطاء محاضرة لطلبة مقرر دراسات عليا فى إدارة الأزمات فى مدرسة كينيدى بجامعة هارفارد وذلك يوم الخميس فى الثانى من أبريل. وقمت بالفعل بإلقاء المحاضرات فى الجامعات الثلاث، وكان هناك استقبال طيب سواء من السادة الزملاء الأساتذة الأمريكان أو من طلاب أو متدربين من الخارجية الأمريكية. وكان هناك أيضاً إقبال طيب من طلاب دول حوض النيل الدارسين فى هارفارد وتفتس. وكان اهتمامهم بالطرح الجديد الذى قدمته لقضايا الحوض والحلول المقترحة، من منطلق كونى أستاذاً جامعياً واستشارياً دولياً فى إدارة المياه ومتخصصاً فى قضايا حوض النيل ولكونى وزيراً سابقاً للرى فى مصر.
وقد لاحظت أن هناك اهتماماً كبيراً وغير مسبوق على الساحة الأمريكية بقضايا حوض النيل، وظهر ذلك من خلال اهتمام عدد كبير من الأساتذة الأمريكان المتخصصين بزيارتى وحرصوا على حضور معظم محاضراتى، بالإضافة إلى طلبهم عقد عدد من الاجتماعات المطولة معى. وكان المتخصصون فى المياه معظمهم من جامعة إم آى تى مثل بروفيسور الفاتح الطاهر، أستاذ الهيدرولوجيا، وبروفيسور دينيس ماكلفلن، أستاذ الموارد المائية، وبروفيسور ديفيد ماركس، أستاذ إدارة المياه، وبروفيسور كينز سترازبك، أستاذ المياه والطاقة. وحضر من إم آى تى أيضاً أساتذة آخرون ولكن فى تخصصات مختلفة مثل بروفيسور سوسسكن، أستاذ الدبلوماسية، وبروفيسور جون لينهارد، أستاذ المياه والغذاء ومدير معمل عبداللطيف جميل العالمى للمياه والأمن الغذائى. وهناك آخرون حضروا المحاضرات والاجتماعات من جامعة تفتس مثل بروفيسور شفيق إسلام، عميد مدرسة فليتشر للدبلوماسية المائية، ومن جامعة هارفارد بروفيسور كاليستوس جوما، أستاذ التنمية الدولية بمدرسة كينيدى. وكانت اجتماعاتى مع هؤلاء النخبة العالمية تدور كلها حول كيفية استثمار المناخ الإيجابى الحالى بين مصر وإثيوبيا لحل الخلافات المائية القائمة بين الدولتين. وجدير بالذكر أن جامعة إم آى تى كانت قد قامت بمبادرة ذاتية وبدعم من معمل عبداللطيف جميل الدولى بعقد ورشة عمل على سد النهضة. وامتدت ورشة العمل لمدة يومين حضرها نخبة كبيرة من علماء أمريكان وأوروبيين، وانتهت بعدة توصيات تم رفعها إلى كل من مصر والسودان وإثيوبيا. وكانت هناك ملاحظات عديدة من وزارة الرى المصرية على نتائج وتوصيات هذه الورشة. وتساءل عدد من الأساتذة الأمريكان عن أسباب الانفصام القائم فى مصر ما بين تشدد الفنيين فى وزارة الرى والمرونة الكبيرة من وزارة الخارجية، حتى إن الأمريكان أصبحوا يدّعون أنهم لا يستطيعون معرفة المطالب المصرية الحقيقية فى هذه القضية الحيوية. وكان هناك أثناء المحاضرات والاجتماعات معى العديد من التساؤلات للأمريكان مثل مدى جدية المصريين والتزامهم بإعلان المبادئ مع إثيوبيا، وهل هذا التحرك كان تحركاً استراتيجياً مرحلياً أم يمثل استراتيجية دائمة؟ وتساؤل آخر عن مدى القبول الشعبى لاحتمال أى نقص فى الحصة المائية المصرية، والمتوقعة على ضوء إعلان المبادئ مع إثيوبيا؟ وتساؤل آخر عن ماهية التصورات المصرية الممكنة لحل المشكلات المائية مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة وكذلك السدود الإثيوبية الأخرى المستقبلية؟ وتساؤل آخر عمّا يملكه المفاوض المصرى من أوراق استراتيجية يستطيع بها الضغط على المفاوض الإثيوبى؟ وتساؤل آخر عن الأسباب الجديدة التى قد تؤدى إلى النجاح فى حل هذه الأزمة، بينما فشلت المفاوضات قبل ذلك فى اتفاقية عنتيبى بالرغم من استمرارها لأكثر من عشر سنوات ودون تحقيق أى تقدم أو تغير يذكر فى موقف كل من الدولتين؟ وتساؤل آخر حول أهمية التحرك الإقليمى والدولى للبناء على إعلان المبادئ وتحويله إلى آلية حقيقية لتسوية المشاكل المائية بين مصر وإثيوبيا؟ وتساؤل آخر حول جدوى الدراسات الفنية المقترحة لسد النهضة، التى لم تبدأ بعد حتى الآن، بينما تم اكتمال أكثر من 40% من السد؟ وعن فرص النجاح المتاحة أمام استكمال الدراسات الفنية والتوافق حول نتائجها؟ وأخيراً وليس آخراً عن اتفاقية إعلان المبادئ وهل هى ملزمة للأطراف الثلاثة (binding agreement) أم فقط تمثل إعلان مبادئ عامة وحسن نوايا؟ تساؤلات مهمة وصعبة، وأشك كثيراً فى توافر الإجابات عليها لدى العديد من المسئولين المصريين بالرغم من أنها تمثل صميم الأسس الرئيسية للتحركات المصرية فى هذا الملف المهم لمصر وشعبها.
وقد حاولت جاهداً الرد على هذه التساؤلات من وجهة نظرى الشخصية، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فى محاضراتى العامة خلال فترة وجودى فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى امتدت لفترة أسبوعين وانتهت بمغادرتى يوم الأربعاء الموافق 8 أبريل الماضى. وفى اللقاء المقبل بإذن الله سنعرض أهم ما جاء فى هذه المحاضرات وردود الفعل وأهم التعليقات الأمريكية عليها.