الطريق طويل والدولة الحديثة حالياً سراب، كلما اقتربنا زادت بعداً، نعتقدها وشيكة فنقترب أكثر فتبتعد أكثر، ولا بديل لنصل يوماً ما -إن كان مُقدراً لنا الوصول- عن أن ندرك أننا لا نملك من ملامحها شيئاً، وأنه لا خطوة صحيحة نحسبها تقدماً.
لا تحقق المجتمعات تقدماً اجتماعياً اقتصادياً دون أن تتوافر أولاً لطالبيه حرية اتخاذ القرار والقدرة على ممارسة الإبداع والاختلاف، ثانياً ألا تقتصر هذه الممارسات على المكان فقط، وإنما تمتد إلى الزمان أيضاً. الحيوان يتطور وينمو كذلك النبات، رغم ذلك لا يمكن اعتبار ذلك تقدماً لأنه يحدث بفعل الزمن الذى ليس ملكاً لأى منهما، أما نحن «البنى آدمين» فوحدنا نملك القدرة على التقدم لأننا نملك أزماننا الخاصة، نحن بالفطرة، أما ونحن واهمون بالإنجاز فلا قدرة لنا لأن وجودنا فى حقيقته مزيف بعد أن انتزعت منا فئة قليلة حقنا فى اتخاذ القرار واستبدلناه نحن بالانصياع، نحن لا نملك أنفسنا، فنحن مستغلون منذ عقود ولا نزال ولم تنجح الثورات التى مرت بنا أو مررنا بها فى تحريرنا بعد، وكان استغلالنا فيما مضى هو إحدى أدوات الغزو والسيطرة، ويبدو لى أنه يزيد بقصد كان ذلك أو دون قصد، فالاستغلال هو البديل الأقرب عن القهر تمارسه السلطة حين تستشعر خوفاً أو قلقاً من الجماهير، فلا تملك إلا أن توجه الناس ولو دون وعى إلى أنواع مزورة من التنظيم تجنبهم التهديد المحتمل فى حال دخولهم فى تنظيم حقيقى من جهة أو تحييدهم من جهة أخرى وصرفهم عن التفكير فى الواقع الذى سيؤدى بالضرورة إلى القيام بعمل حقيقى والذى يُخشى أن يكون فى غير صالح السلطة أو المجد الشخصى للمتسلطين.
كل ما سبق لا يمكن أن يحدث دون وسطاء، تقوم كل سلطة لا تصبو إلى تقدم بجرهم إلى نزعة النجاح الفردى فيصبحون أداة مزدوجة للتنفيذ، ورغم قهرهم لا يملكون بديلاً عن إقناع أنفسهم بأنهم يتخذون قراراتهم بإرادتهم، ولا تُملى عليهم مقابل حماية مصالحهم.
لذلك لا يدهشك ألا تلتفت السُلطة إلى ما صدر عن وزير الثقافة -وهو الوالى على إحدى أهم أدوات الغزو والسيطرة- من ازدراء لموظفة وزنها زيادة، كانت ومثيلاتها يملأن شوارع مصر رقصاً وزغاريد احتفالاً بإقرار دستور وانتخاب رئيس جديدين اعتقدن أن الخلاص يقف على تغيرهما فحسب.
ولأننا لا نملك أن نتوحد ضد قضايا حقيقية، وتواقون لنستشعر آدمية وحرية ولو زائفة، كان طبيعياً أن نتجادل حول صحيح البخارى برعاية الوسطاء الذين سيدفعون نحو تقديس ثوابت ليست ثابتة، والتسليم بمسلمات قابلة للنقد ويقصرون الابتكار والاجتهاد على فئة واحدة تسمى علماء أو خبراء مرة، ومتخصصين مرة أخرى حتى نشعر بدونيتنا تجاههم ويصبح لدى كل منا مُخلصه، ونصير فيما يقولون أتباعاً.
الحجاب تنظيم مزور آخر يكشف عن أن التسلط منا وفينا، وأننا الراعى بممارساتنا تجاه بعضنا البعض لكل سلطة أرادت أن تتوحش وتستبد، نحن جمهور مثالى، نتيجة وسبب، وأقول فيه التالى:
كل امرأة تجتهد فى تلوين حجابها وتضييق ثيابها والتجميل والتعطر مع المبالغة هى مُكرهة مُجبرة، ولا تقدر على أن تواجه ذويها أباً كان أو زوجاً أو أخاً تَمسك بإلزامها بإخفاء شعرها أسفل «إيشارب»، وإن تمردت خصلات منه ووجدت طريقها لتعلن للعالمين أنها جميلة لكنها ليست حرة، ولا ينفى ذلك أن هناك محرومات حتى من المبالغة.
وكل رجل فَزع من التشجيع على الإطاحة بإيشارب يغطى به شعر «حريمه» هو مسكين يتمسك بآخر نقطة تفوق يعتقدها قادرة على أن تميزه عنها، مقهور يقهر مقهوراً فيشعر بتحسن مزور أيضاً.