كنت أتأمله بشدة عندما ربط حديثى عن الأرق بحكايته مع زوجته السابقة، فقد ارتبط عمله بكثرة السفر، وهو لا يكاد يعود إلى أرضه حتى تركض به ظروف عمله إلى بلد جديد. كنت أعرفه جيداً، إلا أن هذه الحكاية جعلتنى أُمعِن النظر فيه كأنى أستكشفه من جديد، حينما قال لى: كنت أعود وأنا أحلم بالحديث معها، كنت أشعر بالجوع لضحكتها وابتسامتها وكل شىء، إلا أننى كنت أُحبَط بالنهاية نفسها فى كل مرة، فلا أكاد أبدأ حديثى حتى تدفن رأسها فى صدرى وهى تستمع إلَىّ، ثم تغطّ فجأة فى نوم عميق! لن أخفيكِ سرًا فقد كنت أستشيط غضباً وأظلّ طوال الليل أحدث نفسى، فأنا حقًّا لا أصدق أنها تركتنى -أنا الغائبَ عنها كل هذه الليالى- لتنام! وفى أحد خلافاتنا تشاجرنا، ولم أتمالك نفسى من توبيخها على فعلتها هذه معى كلما عدت، وما أدراكِ كيف جاءتنى إجابتها، حين قالت بصوت مرتجف مستكين: «هذا يحدث رغماً عنى، فأنا لا أذوق للنوم طعماً وأنت بعيد، ولا أشعر بالأمان إلا وأنت إلى جوارى»، ورغم كل هذا الحب لم نتفق فى النهاية.
نعم يا صديقى، هذه كانت مشكلة زوجتك التى أعلمَتْك عنها ببضع كلمات خبَّأَتْ فى رعشتها ما أرادت أن تخبرك به. كانت تريد أن تقول: «أعرف أنه لن يمسَّنى سوء ولن يقربنى أذًى، ولن يهدِّدنى وجود شىء أو غياب شىء ما دمتَ هنا». كانت تحبك وتشعر فى وجودك بالأمان، ولكن هل كان الأمان بينكما متبادَلاً؟ هل هذا فقط هو الأمان الذى تحتاجان إليه؟ هذا هو السؤال يا عزيزى، فهناك ما هو أهمّ من الحب دائماً، الأمان، فإذا سكن بيتَكما الأمانُ الحقيقى دام حبكما إلى الأبد وكبر وملأ المكان.. وحتى تصل إليه لا بد أن تعرفه جيداً.
الآن تَذكَّر صِيَغ إعلان الزواج على اختلاف الأديان واللغات، فهى لا تعلن أن الشخصين سيتقاسمان الحياة فقط، ولكنهما يتقاسمان الوعد أيضاً، فكل منهما أعطى الآخر وعداً بأن يظلّ إلى جواره فى الصحة والمرض، الغنى والفقر، الشباب والهِرَم. نعم، لقد أعطيت لتوّك هذا الوعد، أما مَن لم يُعطِه بعدُ، فعليه أن يدرك معناه جيداً ويستعدّ له.
رحلة العمر مع الزواج لن تكون سهلة وسنواتها ليست بقليلة، والقدر يا عزيزى لا يُبقِى على حال، إذن كيف ستكون حياتى معك إن لم آمَن على وجودك إلى جوارى سنداً دائماً؟!
ألن تتعجب من امرأة لا تغادر صالونات التجميل ومحلات الأزياء ولا تخجل أن تربط ذلك ببقاء زوجها فلا يذهب لأخرى؟ عذراً يا عزيزتى، هذا بقاء تحت التهديد، وعليكِ ألا تقبليه، فالجمال والشباب غير دائمين.
أما مَن يعلم أنها إلى جواره فقط من أجل رصيد البنك والحياة المترفة، فتَخيَّل معى إن مسَّك فقر -لا قدّر الله- فهل ستبقى إلى جوارك؟ أحزن جدًّا بمجرَّد أن أفكر كم يؤلمك هذا السؤال.
أما المثال السائد فى مجتمعاتنا أنه إن مسها مرض هُرع إلى أخرى، والعذر جاهز سلفاً: «زوجتى مريضة»، فأسألك: ألن يؤلمك مجرَّد تخيل نفسك فى مكانها وتصرفها معك كتصرُّفك معها؟
اسأل نفسك: هل أنت مستعدّ قبل أن تدخل هذا البيت، لأن تقبل من القدر كل شىء أم لا. أجب بصدق، وإن لم يكُن، فارحم نفسك وارحم شريكتك من ألم حتماً سيمر بك يوماً.
أما ما يسمى بالأمان الكبير يا عزيزى، فهو الذى سيبنى جدران بيتك، نعم فأنا أعرف جدًّا أنك سيزداد شعورك بالأمان كلما كنتَ مبصراً فى علاقتك بالطرف الآخَر بأدق التفاصيل فيه، نعم، فأنت تفهمه الآن، تعرف جيداً ما يمكن أن يفعل وما لا يمكن أن يفعل، كيف سيتصرف فى هذا الموقف ولماذا، تعرف هذا دون أن يقول.
هل تعرف لذة هذا الشعور، أن تغمض عينيك وأنت تسير خلف شخص ما، لأنك توقن أنه لا شىء يخفيه عنك، نعم أنت لا تحتاج إلى أن تبحث وراءه وتطلق جواسيسك وَرُسُلَك، هو يقول كل شىء بوضوح، هو يشاركك أفكاره لأنه حقًّا يحبك ويرغب فى أن تصبح جزءاً منه.
أنت لا تحتاج إلى أن تسأله، فلا تملك العين إلا أن تخبر القلب بما رأت وما تريد، أنتما الآن متكاملان، متفاهمان. وكلما زاد هذا التفاهم عَلَت جدران بيتكما إلى السماء، وضربت أكثر فى عمق الأرض وقطعتما الطريق على أى شخص وأى شىء يرغب فى النَّيل منكما، لن يكون للسؤال عن متى عاد ومَن قابل، ومع مَن تَحدَّث داعٍ يمكن أن يؤرِّق نومكما، فأنت تعلم مُسبَقاً، فقد صار جزءاً منك، والجزء يا عزيزى لا بد أن يأمن الكل.
أغمض عينيك ونَمْ، فأنت مطمئن الآن يا صديقى، وهذا هو البيت الذى تستحق.