لحدث وطنى هام، أتوقف اليوم عن التناول النقدى لمواد مسودة الدستور وأواصله بالغد. فبالأمس، وبعد القرعة الهيكلية، اختير الأنبا تواضروس بطريركاً للكنيسة الأرثوذكسية المصرية وللأقباط. نبارك لمصر البابا الجديد، ونبارك له ترؤسه مؤسسة مصرية عريقة ذات إسهام جوهرى فى تاريخنا وثقافتنا وضميرنا الجماعى ومجتمعنا.
يخلف البابا تواضروس البابا العظيم الراحل شنودة الذى سجلت له العقود الماضية الكثير من المواقف الوطنية، دفاعاً عن وحدة الأمة المصرية، وعن مواطنة عمادها المساواة، وعن حرية ممارسة الشعائر الدينية، وعن التزامنا جميعاً بقضايا الحقوق الفلسطينية والعربية، وتمتع بالكثير من الحب الشعبى المتجاوز لحدود الانتماء الدينى. يضع سجل البابا الراحل شنودة البابا الجديد أمام تحدى البحث عن القيادة الروحية والدور الوطنى والشخصية المتواصلة مع عموم المصريات والمصريين، وأثق أن البابا تواضروس سيجد عوناً كبيراً من الكنيسة ومن المؤسسات المدنية والدينية الأخرى ومن مجتمع المواطنين الذى استقبل اختياره بفرح وارتياح.
يأتى البابا الجديد فى سياق مجتمعى وسياسى نبحث به عن إدارة تحول ديمقراطى ناجح يضمن الدولة المدنية وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية ومواطنة الحقوق المتساوية دون تمييز والحريات الشخصية والمدنية. تنتظر مصر من الكنيسة والبابا الجديد دوراً روحياً ومجتمعياً يتبنى الديمقراطية ويدافع عن مضامينها، تنتظر منهما خطاباً دينياً عصرياً يتسق مع الحقوق والحريات، تنتظر منهما تشجيعاً لقيم المواطنة ومشاركة المصريات والمصريين المسيحيين فى الحياة العامة والسياسية خارج الإطارات الدينية، خارج أسوار الكنيسة.
يأتى البابا الجديد وقضايا الوحدة الوطنية والمساواة وحرية ممارسة الشعائر الدينية على المحك، بعد تراجع استمر لعقود قبل ثورة يناير وتحديات متصاعدة بعدها. قانون لتجريم التمييز والممارسات المرتبطة به، قانون موحد أو تنظيم واضح لبناء دور العبادة، الوقوف ضد التوترات الطائفية باحترام قاعدتى سيادة القانون والمساواة وبأجهزة إنذار مبكر مجتمعية وبحوار وطنى غير احتفالى، الاجتهاد عبر ممثلى الكنيسة المشاركين بوضع الدستور وبإسهام فى الحوار المجتمعى لمنع العصف بالحقوق والحريات وقاعدة المساواة فى الدستور الجديد، كل هذه أولويات للبابا الجديد وللكنيسة اليوم فى مصر.
يأتى البابا الجديد بعد عملية انتخاب واختيار أدارتها الكنيسة بشفافية ورقى وتحضر شعر المصريات والمصريون معها بفخر واعتزاز شديدين. شفافية الانتخاب والاختيار، وينبغى أن ينسب الفضل هنا للكنيسة ولراعيها خلال الفترة الماضية القائمقام باخوميوس، هى الآن قاعدة يُنتظر من الكنيسة اتباعها وتتسق مع دورها الوطنى والمجتمعى فى مصر التى نبحث بها عن ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية. على البابا، لذا، إعادة النظر فى التنظيم الداخلى للكنيسة وفى لائحة 1957 وفى بنية المؤسسات التابعة للكنيسة، وكل هذا انطلاقاً من تعظيم الشفافية وبهدف التواصل مع شعب الكنيسة.
نبارك لمصر البابا تواضروس ونبارك له ترؤسه الكنيسة الوطنية المصرية التى ننتظر منها اليوم الكثير.