غمرنى شعور طاغٍ بالسعادة وأنا فى طريقى لتلبية الدعوة الكريمة من صديق العمر صلاح لحضور حفل توقيع كتابه «كيف تهزم مرض السكر». وجدت نفسى أستعيد ذكريات جميلة مضى عليها أكثر من نصف قرن، فما أجمل أن يمر بك شريط ذكريات العمر الجميلة منذ أن كنت صبياً ألّف الله بينك وبين إخوة لك منذ جمعتكم «شبرا الإعدادية» ثم «التوفيقية الثانوية»، وحتى تنوعت اهتماماتكم فى مرحلة التعليم الجامعى، لكن آصرة الصداقة الحقة التى ربطت بينكم صمدت فى وجه اختلاف خياراتكم، ثم مرت الأيام فإذا بكل منكم يبرز بالتدريج ليصبح علَماً فى مجاله، وفى هذا السياق أصبح صلاح أستاذاً مرموقاً للأمراض الباطنة ومقاتلاً مغواراً فى الحرب على مرض السكر اللعين، وما الكتاب الذى أشرت إليه سوى نقطة ذروة من المؤكد أنه ستتلوها نقاط أخرى فى هذه المعركة النبيلة، وأجمل ما فى صلاح إيمانه العميق بإمكانية النصر على الرغم من شراسة المرض إذا كان العلم منهجنا والثقافة الصحية السليمة سبيلنا، وعنوان كتابه خير دليل على هذا الإيمان، وربما كان والده العظيم الأستاذ محمد الغزالى حرب يستشرف المستقبل عندما كان يريد لأكبر أولاده صلاح وشقيقه الأعز أسامة الذى كان عضواً أساسياً فى رفقة العمر أن يلتحقا بكلية الطب ويرى لهما دوراً بارزاً فى النهوض بصحة الإنسان المصرى، وإذا كان أسامة قد استأذن فى عدم الاستجابة لهذه الرغبة فإن صلاح قد حققها شكلاً ومضموناً، ناهيك عن أن أسامة قد أثبت حسن اختياره فأصبح من أبرز أبناء مصر فى مجال السياسة علماً وحركة.
كانت أمسية جميلة بحق تلك التى شهدتها «دار العين» بضيافة كريمة من مديرتها الدكتورة فاطمة البودى وحضرتها نخبة من أبرز رموز المجتمع فى مجال الفكر والثقافة والإعلام والطب بطبيعة الحال، وبدأها الطبيب الحق والمفكر المستنير د. خالد منتصر بتقديم أستاذه صلاح الغزالى، ولفت نظرى أنه عبّر بإيجاز ووضوح عن مفاتيح شخصية صلاح، وهى الصرامة العلمية التى أُهدر دمها على كثير من المذابح وعلى رأسها مذبح المصالح الشخصية، وشمول المعرفة العلمية الضرورى لنجاح الطبيب فى علاج المرض الذى يتخصص فيه، والإنسانية فى التعامل مع مرضاه التى يهدرها البعض وربما الكثيرون للأسف، وتذكرت فى هذا السياق كيف كان نفر من أسرة طب قصر العينى يصابون بالارتباك عندما أذكر لهم، بعد فاصل من النقد الشديد لصلاح على أساس أنه «مزودها حبتين» عندما كان وكيلاً للكلية، أنه صديق عمر وأن هذه سمات أصيلة فى شخصيته ولن يغيرها، وتذكرت كذلك كم المتاعب الذى تسبب فيه الأطباء «التجزيئيون»، إذا جاز التعبير، لعديد من أقربائى ومعارفى، أما إنسانية صلاح فلا تحتاج شهادة منى وإن لفتنى أنها المرة الأولى التى أقرأ فيها ضمن إهداء طبيب كتابه إهداءً إلى مرضاه الأعزاء، ولم يفت د. خالد منتصر فى تقديمه أن يشير إلى الإسهامات بالغة الأهمية لصلاح فى مجال محاربة السكر على المستوى المجتمعى كتأسيسه مركز الفحص الشامل لمرضى السكر الذى يُعتبر الأول من نوعه فى الوطن العربى فى مستشفى معهد ناصر ومشروعه فى مجال الوقاية من مرض السكر الذى تقدم به لوزارة الصحة من أجل الكشف المبكر عن المرض والذى لا يزال مستمراً فى معظم محافظات مصر.
تحدث صلاح بعد ذلك بسلاسة واقتدار عن مضمون كتابه، ودارت بعد الحديث حوارات ممتعة ومفيدة، منها ما هو طبى بحت، ومنها ما اتصل بقضايا تتعلق بالموضوع على نحو غير مباشر كقضيتَى الثقافة الصحية والإعلام الطبى، وقد كان التأكيد فى الحوار شديداً على أهمية نشر الثقافة الصحية بين المواطنين وليس من أداة أفضل لهذا من الإعلام، وهو ما فتح الباب لحوار مستفيض عن المساوئ الراهنة للإعلام الطبى، سواء تمثلت فى ظاهرة الاستضافة «الإعلانية» بمعنى استضافة أطباء لمخاطبة المرضى ليس انطلاقاً من علمهم وإنما من مبالغ كبيرة يدفعونها من أجل أن يظهروا بمظهر الخبراء وأن تظهر عناوين عياداتهم وأرقام هواتفهم على الشاشة، كذلك تعالت نبرة النقد القاسى الذى تستحقه الإعلانات عن مستحضرات طبية مجهولة المصدر والتأثير الذى قد يكون قاتلاً، وساد إجماع على ضرورة التصدى الصارم لهذه الظاهرة الخطيرة، وفى نهاية عرض صلاح والحوار الممتع الذى أعقبه بدت أهمية الكتاب واضحة، فما أجمل أن تخرج من قراءة كتاب وضعه طبيب بقامة صلاح الغزالى بعدد من الدروس شديدة البساطة والوضوح تكون خير عون لمريض السكر على هزيمة مرضه، فهل ثمة صعوبة فى أن يواظب مريض السكر على إجراء القياسات المطلوبة ويتصرف وفقاً لنتائجها سواء بنفسه بالنسبة لمن لديه المعرفة والخبرة أو بالعود ة لطبيبه، وما هى الصعوبة فى الأخذ بإجراءات الكشف المبكر عن السكر أو الزيارة الدورية للطبيب أو فى تنظيم المريض لغذائه حسب تعليمات طبيبه أو طبيب التغذية أو فى تفادى السمنة قدر المستطاع أو التوقف عن التدخين أو ممارسة الرياضة، ومما يشجع على الاستجابة لهذه النصائح ما يحمله صلاح دوماً من بشرى لمرضاه من أن بمقدورهم أن يعيشوا حياة عادية، بل ممتعة، إن هم حرصوا على التشخيص السليم لمرضهم والأخذ بسبل العلاج الصحيحة. هنيئاً لصلاح ومرضى السكر هذه الخطوة النوعية فى الحرب عليه، ومزيداً من الإنجازات أيها الفارس النبيل.