"الوطن" فى مئوية "الإبادة":"الأرمن" ينكسون الورود أمام "نُصب" الضحايا
100 عام مرت على «إبادة الأرمن» على يد الأتراك، وسقوط 1.5 مليون ضحية، وتهجير عدد مماثل من أراضيهم فى 6 ولايات شرق تركيا الحالية، لجأوا إلى العديد من بلدان العالم ليعيشوا فيها ويندمجوا وسط الشعوب، ومن بينها البلدان العربية التى فتحت ذراعيها لهم، وخاصة مصر وسوريا ولبنان، حيث تمثل الجاليات الأرمينية فى هذه البلدان الأكبر فى المنطقة، وعلى الرغم من اندماج الأرمن فى العديد من المجتمعات لم ينسوا هويتهم أو المذابح التى شهدها أجدادهم، وتحيى أرمينيا هذه الأيام ذكرى «خاصة» للمذبحة، بعد استخدام البابا فرنسيس بابا الفاتيكان مصطلح «إبادة»، وأيضاً إصدار الاتحاد الأوروبى بياناً تبنى فيه أعضاء البرلمان الأوروبى بأغلبية كاسحة قراراً يعتبر الأحداث التى جرت بين 1915 و1917 ضد الأرمن فى أراضى الإمبراطورية العثمانية «إبادة جماعية». وتنظم أرمينيا فى 24 أبريل من كل عام مراسم لإحياء ذكرى «الإبادة» صاحبة الـ100 عام من العمر، عبر مسيرات تنطلق متجولة فى شوارع العاصمة الأرمينية ياريفان متجهة إلى النصب التذكارى، حيث شاركت الجالية الأرمنية المصرية هذا العام بالمسيرة بحاملة أعلام كبيرة لمصر، خلافاً للجاليات الأخرى، إلى جانب الوفد الشعبى المصرى الذى ضم إعلاميين من العديد من الصحف القومية والخاصة، فضلاً عن مشاركة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية على رأس وفد كنسى، والذى أكد أن حضوره فى إطار المشاركة من الكنيسة القبطية للكنيسة الأرمنية.
وعلى جانبى الطريق المؤدى إلى متحف الإبادة الأرمنى المجاور للنصب التذكارى للضحايا، كثر بائعو الورود التى يتم تجهيزها لوضعها على النصب، حيث كان «تنكيس الورود» فى هذا اليوم سمة المراسم، تذكرة لأجدادهم من ضحايا الأتراك 1915، حيث حمل كل أرمنى الورود منكساً إياها باتجاه الأرض.
أبرز زعماء العالم حضوراً فى إحياء الذكرى كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى أكد أنه لا يوجد أى شىء يمكن أن يبرر المجازر الجماعية التى وقعت فى حق الأرمن، واصفاً إياها بالإبادة، مضيفاً «نقف اليوم بخشوع جانب الشعب الأرمنى»، كما شارك الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، الذى قال «أنحنى فى ذكرى الضحايا، وجئت لأقول للأرمن أصدقائى إننا لن ننسى المأساة التى مر بها شعبكم».
الحضور العربى فى إحياء الذكرى كان لافتاً، وشارك وفد سورى على رأسه جهاد اللحام، الذى قال إن مشاركتنا فى ذكرى الإبادة دعوة للعالم أجمع لاحترام الحياة والتوصل إلى منفذى جرائم التاريخ، مضيفاً: «نريد أن نلفت إلى العالم، أن الجريمة مرفوضة أياً كان شكلها، فما بالك بأنها إبادة جماعية لـ1.5 مليون إنسان، ومثلهم تم تهجيرهم إلى خارج البلاد»، مديناً فى كلمته خلال المنتدى العالمى فى ياريفان الإبادة التى ارتكبت قبل مائة عام، والتى جرت على يد الدولة العثمانية، مضيفاً: «القاتل ما زال قاتلاً».[FirstQuote]
ومن لبنان شارك وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، برفقة وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان، ووزير التربية والتعليم العالى إلياس بوصعب، على رأس وفد رسمى، نظراً لأن لبنان من أولى الدول التى اعترفت بوقوع الإبادة على يد الأتراك، موجهاً تحية إلى الحكومة والشعب الأرمينى وخاصة أرمن لبنان. وأعرب الرئيس الأرمينى سيرج سركيسيان، عن شكره لمن حضر من القادة خاصة الرئيسين الفرنسى والروسى اللذين وضعا الزهور على النصب التذكارى لضحايا الأرمن عام 1915، وقال: «لن ننسى شيئاً»، وذلك بعد الوقوف دقيقة حداداً فى العاصمة الأرمينية على أرواح الضحايا.
المنتدى الأرمينى الذى عقد يومى الأربعاء والخميس الماضيين افتتحه المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، بكلمة عن مذابح الأتراك ضد الأرمن، قال فيها إن النظر اليوم عما يحدث بعد مائة عام من المذابح فهناك تقدم، مضيفاً أن وقت إبادة الشعب الأرمنى، لم يكن هناك من يمنع تلك المذابح. وقال مطران الكنيسة الأرمنية إن الإبادة كانت أسود وأصعب فترة فى القرن الـ20، وإن تلك الجريمة تم الاعتراف بها من العديد من الدول، مضيفاً أن المجزرة ليست فى قتل الكثير فقط بل وتعذيب آخرين من الأحفاد، معرباً عن شكره للمشاركين، وزعماء الكنائس الشقيقة والحضور.
وقالت كارولين كوكس، عضوة البرلمان البريطانى، إنها تشعر بالخجل لأن بلادها لم تعترف بعد بوقوع تلك المذابح، مشيرة إلى أنها تقدر هذه الدعوة للحضور، مضيفة أنها دعوة للاعتراف بكل المجازر فى حق الشعوب.
واختتم وزير الخارجية الأرمينى إدوارد نالبانديان، بكلمته رابطاً ما حدث فى الماضى من مذابح عثمانية ضد الأرمن ما يجرى الآن فى الشرق الأوسط على يد التنظيمات المتطرفة، مضيفاً أن حماية الأقليات فى العديد من الأماكن لا بد أن يتم تحقيقها، ولابد من مواجهة التنظيمات البربرية المتطرفة التى تهدد المستقبل وتدمر الحضارة، مشيراً إلى أنه إذا تركنا ذلك سيؤثر بالسلب فى المستقبل.
وقالت وزيرة المهجر الأرمينية هارانوش هاكوبيان، إن خطة أرمينيا بعد الاعتراف التركى والعالمى بالإبادة الأرمنية، إنها ستطالب بتعويضات للأشخاص والجاليات الذين تضرروا من أحداث الإبادة الأرمنية قبل مائة عام على يد الأتراك العثمانيين. وأضافت «هاكوبيان» فى تصريحات خاصة لـ«الوطن» بعد انتهاء فعاليات المنتدى الأرمينى العالمى، إنها تتابع عن قرب جداً الأخبار والصحافة المصرية والشأن العام المصرى، مثمنة حديث الصحافة المصرية عن «الإبادة الأرمنية»، كما توجهت بالشكر لـ«الوطن»، لإجراء حوار معها العام الماضى بخصوص الإبادة الأرمنية، والاستعدادات لإحياء الذكرى المئوية، الذى صرحت فيه بأن الحكومة الأرمينية تنتظر اعترافاً مصرياً بالمذابح التركية ضد «الأرمن»، مشيرة إلى أن ذلك يساعد على إطلاق الحقيقة فى كل العالم وليس فقط فى مصر.
وأضافت «هاكوبيان» معلقة على وجود العديد من الدول فى المنتدى الأرمينى العالمى للذكرى المئوية للإبادة، قائلة: «إن العالم بدأ يتغير وبدأ يرى الحقيقة ويريد أن يرى الحقيقة، أرى أن فى الدول العظمى والمحيطة بأرمينيا هناك أشخاصاً يريدون أن يعرفوا الحقيقة، ونحن أقوياء بكم، ونؤمن بانتصار العدالة والحقيقة».
وقال المصرى الأرمنى أرمن مظلوميان، عضو لجنة إحياء ذكرى مئوية الإبادة، إنه يشعر بالفخر الشديد لمشاركة أرمن مصر فى مراسم الذكرى العام الحالى، بعد 100 عام من الإبادة، التى كانت ضد الأرمن والإنسانية، مشيراً إلى مشاركة الوفد الشعبى المصرى الذى ضم العديد من الإعلاميين. وأضاف «مظلوميان» لـ«الوطن»، أن المجتمع الدولى يظهر حالياً اهتماماً بالإبادة، مشيراً إلى الاعتراف الألمانى مؤخراً، مضيفاً أنه بذلك اهتم المجتمع الدولى وسيضغط على تركيا للاعتراف بجرائم الإبادة، معرباً عن سعادته بالمشاركات العالمية فى الذكرى المئوية.
وقال «رافى» أرمنى مصرى يقيم بأرمينيا، إنه يشعر بسعادة كبيرة بالمشاركة المصرية، مشيراً إلى أنه يعيش فى أرمينيا منذ تسعة أشهر، حيث أتى إليها وتزوج من أرمينية، مضيفاً أنه كان يتمنى أن يكون وقت إحياء الذكرى فى مصر ليقوم بدور أرمن مصر العظيم فى إحياء الإبادة بالقاهرة. وقال خاتشيك جوزيكيان، الأرمنى من أصل سورى، المرافق للوفد الشعبى المصرى، إنه سعيد بالوجود مع الوفد المصرى، خاصة أنه يحب المصريين كثيراً.