فعل الرئيس خيراً حين اتخذ قراراً بوقف العمل بالتوقيت الصيفى. فالكثير من المصريين ينظرون إلى مسألة تقديم الساعة على أنها نوع من أنواع «العكننة الحكومية» عليهم، أتصور أنهم ارتاحوا للتخلص منها، فالغالبية العظمى منهم ترى أن الساعة التى يتم زيادتها تؤدى إلى «عفرتة» اليوم، وإلى لخبطة نظام نومهم ونوبات «صحيانهم» بصورة تؤدى إلى ارتباك حياتهم بشكل مزعج، خصوصاً أن تجربة العام الماضى بتقديم الساعة قبل عدة أسابيع من شهر رمضان، ثم تأخيرها خلال الشهر الكريم، ثم العودة إلى تقديمها بعد انتهاء الشهر، أثارت حالة من حالات اللخبطة المقيتة. وقد نظر البعض إلى وقف العمل بنظام التوقيت الصيفى كأحد مكتسبات ثورة يناير، إذ تم اتخاذ هذا القرار بعد قيامها، وكانت العودة إليه العام الماضى من الأمور التى جعلت الكثيرين يسخرون من أن أحد أهم مكتسبات الثورة قد ضاع على المصريين!
اللافت فى أمر صناعة قرار إلغاء العمل بالتوقيت الصيفى أنه اعتمد على استطلاع رأى قامت به الحكومة من خلال مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، والواضح أن النتائج أثبتت أن المصريين يرفضون «بالثلث» هذا النظام. هذا التوجه من جانب الحكومة، واستجابة الرئيس لنتائج الاستطلاع أمر جدير بالاحترام. فمن المهم أن تتأسس قرارات السلطة على اتجاهات الرأى العام. وقد يكون من المفيد أن «تعمم» هذه التجربة، وتتمدد إلى شتى القرارات التى تمس حياة المواطنين، ويكون لهم الحق فى التدخل فى صناعتها، أو يكون صانع القرار ملزماً بالتعرف على اتجاهاتهم نحوها قبل اتخاذها وتقريرها فى الواقع. فالعلاقة الجديرة بالاحترام بين السلطة والشعب هى العلاقة المبنية على التفاهم، وليس العلاقة المؤسسة على القهر، لأن أحداً لا يستطيع أن يقهر أحداً على شىء، مهما امتلك من معطيات القوة.
قضايا كثيرة ومتنوعة أرى أن الدولة يجب أن تمدد إليها هذه التجربة، وتحاول أن تفهم «دماغ الناس» تجاهها، حتى تحسن صناعة القرار، على سبيل المثال قضية تنظيم الأسرة التى تبذل فيها الدولة جهداً كبيراً ومالاً وفيراً منذ الستينات وحتى الآن دون نتائج ملموسة تؤدى إلى تغيير حالة «سيولة الإنجاب» على الأرض. فمن لدن «حسنين ومحمدين» ومروراً بـ«لو رحتى الوحدة الصحية.. وسمعتى كلامى يا شلبية»، وانتهاء بـ«إوعى يا شابّة تنسى الحبّة»، ارتفعت معدلات الإنجاب فى مصر بصورة دفعت الأنظمة السياسية المتعاقبة إلى الشكوى المريرة من الموضوع، بسبب العجز عن حل المشكلة. فالدولة تقول للمواطن «نظّم الإنجاب»، والمواطن يعاند، إلى أن أصبحنا أمام مشكلة مستعصية. وفى تقديرى أن جانباً منها ارتبط بإحساس المواطن بأن السلطة لا تحترمه، ولا تنشغل برؤيته أو تصوراته للأمور، أو بعبارة أخرى لا تفهم «دماغه» ولا تريد أن تفهمها، وبالتالى يصبح عنادها أفضل. لو أن السلطة انشغلت بفكرة «الفهم» والاجتهاد فى قراءة عقل المواطن، ومعرفة أسباب رفضه لبعض القرارات والتوجهات لأصبح فى مكنتها أن تتفاهم معه، وأن تقنعه بطريقة إن لم تؤدِّ إلى التخلص من المشكلة، فعلى الأقل ستؤدى إلى محاصرتها. الشعب المصرى «دماغ».. وواجب السلطة أن تفهمه حتى تستطيع التفاهم معه!