تقول «ويكيبيديا» إن الطبيب العالم العلامة (رحمه الله) أنشأ هذا المركز المخصص لأمراض الكبد والأبحاث فى عام 1999 حاملاً اسمه. والمركز القابع فى حى مدينة نصر «يهدف إلى تقديم خدمة طبية متميزة لمرضى الكبد القادرين وغير القادرين. كما يهدف إلى تنظيم مؤتمرات علمية وتدريب الأطباء والفنيين وهيئة التمريض لمواكبة التطور العلمى فى مجالات أمراض الكبد. كما يعمل على التصدى لأمراض الكبد فى المراحل الأولى، وذلك لتجنب المضاعفات وكذلك نشر التوعية والبرامج الوقائية للتصدى لمسببات أمراض الكبد». انتهى توصيف «ويكيبيديا» ويبدأ توصيفى للمبنى على رؤى العين. المستشفى «الخيرى» الذى لو قُدِّر لمؤسسه الراحل أن يراه اليوم لمات كمداً.. رحب بالمريض الذى يعانى مرحلة متقدمة من تليف الكبد حيث خارت قواه الجسدية وبدأ يدخل مراحل متقدمة فى المرض. نقلته أسرته من أهوال العناية المركزة فى أحد مستشفيات التأمين الصحى فى مدينة نصر وذلك نزولاً على رغبته التى كان يعبر عنها فى أثناء الدقائق المعدودة للزيارة «خرجونى من هنا. الموت فى الشارع أفضل»! ومن مقلاة مستشفى التأمين الصحى إلى نيران المستشفى الخيرى حيث سداد ألفى جنيه تحت الحساب، ومنها إلى الغرفة، وما أدراك ما الغرفة. فبعيداً عن الطلاء الأزرق الباهت الذى اكتسى بلون هبابى رمادى قذر، لا يسع أهل المريض المتهالك إلا أن يحسبنوا ويحوقلوا كلما نادت عاملة النظافة بعلو الصوت على زميلها الفاضل الرابض فى الطرقة الموازية. فالحوار القائم بعلو الصوت عبر الطرقات يمنحك شعوراً بأنك محبوس وسط طقوس مولد السيد البدوى أو فى أعماق سوق الثلاثاء، وهى السوق التى تتحول إلى «سويقة» مع انضمام طاقم ملائكة الرحمة إلى أوركسترا المستشفى الفيلهارمونى. يتوجه أحد أقارب المريض إلى «كاونتر» الملائكة للسؤال عن الطبيب الاستشارى لا سيما أن المريض أوشك على الدخول فى غيبوبة كبدية. لكن لا صوت يعلو على صوت قزقزة اللب الجماعية ومن ثم «تفتفة» القشر نهاراً جهاراً. يتحكم صاحبنا فى أعصابه، ويعاود السؤال مكذباً الإجابة التى باغتته. وتأتيه الإجابة ذاتها مجدداً «كل الاستشاريين فى مؤتمر خارج البلاد، ويعودون يوم الأحد إن شاء الله». بالطبع تقديم المشيئة ضرورة لا سيما أن اليوم كان الأربعاء. وإن كان المريض قد أوشك على التسليم للغيبوبة، فإن إقناع كبده المنهك بتأجيلها أو ترحيلها لحين وصول الأطباء الاستشاريين بسلامة الله إلى أرض الوطن أمر عسير ويحتاج معجزة إلهية. يصدح صوت القرآن الكريم فى أرجاء الطابق بأكمله صادراً من غرفة أحد المرضى. ورغم حلاوة صوت المقرئ، فإن الصوت مرتفع جداً من جهة ومن جهة أخرى (غير مصرح بمجرد التفكير فيها فما بالك بالمجاهرة بها) قد لا يكون البعض راغباً فى الاستماع لآيات الذكر الحكيم فى هذا التوقيت بالذات. يدخل المريض فى غيبوبته مساء وفى الصباح يصدح الطابق بأصوات السويقة من هبد ورزع، وصياح العاملات، وحوارات العاملين. يدخل الغرفة عامل التغذية حاملاً صينية الإفطار ومتسلماً صينية العشاء التى لم يمسسها المريض بحكم دخوله فى الغيبوبة. تأتى الممرضة وتحث المرافقة على أن تطعم مريضها، لكن المريض لا يستيقظ. وبعد ساعات وجهد جهيد تمر استشارية بعد انتهاء عملها فى العيادة الخارجية بعد الظهر. ويأتى التشخيص. لقد دخل المسكين فى غيبوبة وحالته حرجة. يتم نقله إلى العناية المركزة بعد إبلاغ أهل المريض بضرورة سداد نحو خمسة آلاف جنيه تحت الحساب فى خزانة المستشفى «الخيرى». بعد ساعات يلقى المريض وجه ربه، وهذا قدره. ونبقى نحن مع قدرنا. آه، نسيت أن أذكر أن المستشفى الخيرى عامر بصناديق عدة تدعو أهل الخير للتبرع لصالح المستشفى الخيرى.