وسط انشغال وليس نسيان أصحابه من المفكرين تأتى الذكرى الأولى لوفاة الباحث الاستثنائى النابه الأستاذ حسام تمام، أحد أبرز الخبراء المتخصصين فى شئون الحركة الإسلامية فى الشرق الأوسط، ولاشك أن الحركة الإسلامية فقدت بموته ناصحا أمينا جادا، لم تستفد منه لتصويب أخطائها.
استثنائية حسام تأتى من خلال فهمه وشرحه وتحليله للحركة الإسلامية من ناحية الأفكار والأفراد والرؤى والفلسفات، حيث وضع يده على الخلل فى الحركات الإسلامية من محاور متعددة، من خلال إشكالية تعامل الحركة مع الحرية، والتعددية، والاجتهاد، وأثرى المكتبة العربية بكتابات غاية فى العمق والدقة يجب أن ينهض لها الباحثون من طلبة الماجستير والدكتوراه.
لقد بدت قضايا الوطنية، والتجديد، والنقد البناء، وإشكاليات التنازع بين الدينى والدعوى غلَّابة فى فكر الفقيد الكريم، وهو الذى ظل يسأل عن: ماهية أهداف التيارات الإسلامية، وانعكاساتها على المصالح القومية المصرية والإسلامية؟
إن أكبر ما ميز الفقيد عن غيره فى كتاباته شيئان مهمان:
الأول: أنه لم يقتصر فى تناول الحركة الإسلامية على مجرد المرمى الفكرى والشواهد النصية بعيدا عن دلالات الممارسة على أرض الواقع، بل تناول الحركة الإسلامية من خلال الموقع النصى والمحيط الخارجى معا(paratexte)، فجمع بين الخبرة الميدانية والنظرة العلمية.
الثانى: أنه استطاع استنطاق الحركة الإسلامية، ونقدها، ومساءلتها، دون أن يقع أسيرا ولا متعصبا لأيديولوجية بعينها، بل انطلق من أرضية مصرية وطنية بحثية حرة، ولذا خلت كتاباته من الملاحظات الانطباعية، والأحكام المتعجلة، وقد شرحت هذا المعنى بالتفصيل خلال مشاركتى فى الندوة التى عقدتها مكتبة الإسكندرية برعاية الدكتور خالد عزب، وشارك فيها الصحفى خالد على، ومحاضر رئيس هو المفكر اللبنانى د. رضوان السيد، وغاب عنها للأسف عدد من أصدقاء الفقيد.
إن كل فن من الفنون فيها شخص أو أكثر يعد مرجعية، لا يجوز تجاهله لمن أراد البحث فى هذا الفن، فكما لا يمكننا استيعاب العلمانية وأفكارها وفلسفتها دون الرجوع للدكتور المسيرى، فكذا لا يمكن لباحث أن يحلل الحركة الإسلامية، وعقلها الحركى، وخريطة انتشارها، وفلسفتها، وأداءها، دون الرجوع لمؤلفات حسام تمام.
وبنظرة إلى بعض أبحاثه يثبت لك أنه مرجعية فى فنه، اقرأ له مثلا: (تسلف الإخوان.. تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية)، (الإخوان والإصلاح قراءة فى الجدل والتدافع)، (الإخوان والدولة بين الوطنية والأممية)، (إلى أين يسير قطار التجديد الإخوانى حين يغادر محطة التنظيم)، (ترييف الإخوان)، (الإخوان الديمقراطيون.. الأفكار وخريطة الانتشار)، (لماذا لا يكتب الإخوان تاريخهم)، وغير ذلك كثير، كما استطاع أن يلخص التاريخ العام للحركة الإسلامية فى تأسيسها الثانى من خلال تحريره لشهادة د. عبدالمنعم أبوالفتوح.
والفقيد فوق ذلك إنسان خلوق متدين متواضع صبور، فقد زار السرطان الخبيث مخه، وتجول فى جسده، وأكل من جسمه وماله، ومع ذلك لا تسمع منه إلا الحمد والرضا على ما قدره الله، وقد زرته بمستشفى زايد قبل رحيله، وحملت له عددا من الصحف المختلفة ففرح بها أيما فرح، إذ ظل يقرأ ويتابع ويحلل حتى آخر لحظة من حياته، وكنت فى أشد الفرح لما رأيت حوارا له بجريدة الأخبار فظننت أنه خرج من العناية المركزة، وتماثل للشفاء، لكن كانت المفاجأة أن الصحفى هو الذى أجرى الحوار معه داخل العناية المركزة، وحسام مربوط بالمحاليل والأسلاك والأجهزة، ولم يتبق من جسده إلا لسان عفيف يتكلم، وقلب طاهر أبيض يحمد الله.
فى الذكرى الأولى لرحيل حسام وفاء وتقدير ودعاء بالجنان، وأيضاً عتاب لبعض محبيه على التقصير فى حقه.