لم أعرف هل أضحك أم أبكى وأنا أتابع معركة الرقابة الأسطورية الملحمية ضد مسرحية «عاشقين ترابك» التى بدأت بمنع اللحية فى المسرحية ثم انتهت بشطب كلمة قنديل واستبدالها بكلمة شمعة!!، وتساءلت: هل أنا فى كابوس أم فى سيرك أم فى مولد أم فى خانكة؟!، ماذا يحدث وهل قامت الثورة لكى نظل نعيش أجواء هذا العبث؟ كنا قد تصورنا أن الرقابة ستنتهى بمجرد قيام الثورة التى لم تفلح فى وأدها رقابة أكبر رقيب فى تاريخ الجلادين الجنرال حبيب العادلى وقلنا إن الجميع سيعى درس أنه لايستطيع أحد على وجه الأرض مهما كانت قوته وجبروته أن يمنع فكرة أو يسجن إبداعاً!، ولكننا فوجئنا بسطوة الرقابة تشتد وقبضتها تزداد خنقاً وتنكيلاً وتربصها يزداد هيافة وتفاهة، فبعد أن كانت الرقابة فى عهد مبارك تقف عند التوريث وتتوجس وتتحسس مسدسها كما كان جوبلز يتحسسه عندما يسمع كلمة ثقافة، صارت الرقابة ترتجف وتنتفض عندما تسمع لفظ قنديل أو اسم مرسى أو تشاهد اللحية والزبيبة.
القضية ليست قضية مسرحية، هى فى النهاية قليلة الإمكانيات ستعرض على مسرح متواضع يسع مئات من المشاهدين بالعافية، والمسرحيات لاتشعل ثورات ولكنها تشكل عقولاً وتهذب وجداناً، وميلودراما المنع والقهر والمصادرة تتشكل بطريقة كوميدية تصل إلى حد المسخرة، فتحويل قنديل إلى شمعة لن تضحك به على الناس كى يقتنعوا بأن هشام قنديل هو كوكتيل من غاندى وجيفارا ومانديلا، ومنع اللحية من على خشبة المسرح لن يمنع سطوة التكفيريين الذين يتخذونها ستاراً فى الشارع لكى يشكلوا هيئة أمر بالمعروف ونهى عن المنكر تغتال شاباً فى السويس وتقتل جنوداً فى سيناء، على من تضحك الرقابة؟، هل تضحك على المسرحيين، أم تضحك علينا أم تضحك على نفسها؟
هل ستصادر الرقابة قصة «قنديل أم هاشم» طبقاً لمدرسة الرقابة المسرحية المصرية العظيمة؟، هل ستحرق كل ديفيديهات ونسخ مسرحية «مرسى عايز كرسى»؟، وهل ستمنع مولد المرسى أبوالعباس وتعدم كل أفلام ومسلسلات الممثل العملاق محمود مرسى؟!!، هل ستمنع الرقابة تسمية أى بطل فيلم أو كومبارس فى مسلسل بمرسى أو قنديل؟، وإذا كانت الرقابة قد أفلحت ونجحت فى تغيير قنديل بشمعة، فماذا ستفعل باسم مرسى؟، وهل ستمتد المصادرات إلى بديع والشاطر؟، وبالطبع أفهم الآن سر عدم الاقتراب من اسم العريان لأن الاقتراب من الاسم ممنوع أصلاً فى قانون الرقابة القديم لاعتبارات العرف والتقاليد!!.
فى عصر مبارك حيث قمة الرقابة والقبضة الحديدية، كتب أسامة أنور عكاشة حلقة ليالى الحلمية الشهيرة التى أشار فيها لعلاء وجمال مبارك، وفين؟، فى تليفزيون الحكومة ولم تتجرأ الرقابة على العبث فيما كتبه عكاشة!، نأتى الآن وبعد ثورة كان شعارها الحرية لكى تلبس الرقابة العمامة وتكتب تقاريرها من مكتب الإرشاد ويجتمع أعضاؤها فى المقطم ويلصقون الذقن ويرسمون الزبيبة قبل قراءة أى نص!، فلتسقط الرقابة وليحىَ الإبداع.