مذكرات "الباز": "سوزان" وراء الثورة على "مبارك"
على الرغم من أن الفترة التى قضاها أسامة الباز فى قلب غرفة صنع القرار السياسى، فإن السنوات الأكثر أهمية بدأت منذ عام 1998، عندما هبت رياح التغيير على مصر سواء من الداخل أو الخارج، وكان «أسامة» شاهداً رئيسياً على التحولات العاصفة التى طرأت على مستقبل الحكم، من خلال انطلاق عملية التوريث، وحسب ما تقول الإعلامية أميمة تمام زوجة الباز التى عاصرت معه تلك الفترة الحساسة، فإن خيوط اللعبة كانت فى يد سوزان مبارك وزكريا عزمى. وانتهت تلك المرحلة بإقصاء كل الرجال الذين حذروا الرئيس وأسرته من مغبة المضى فى مشروع توريث جمال مبارك. ونتابع هنا ما ترويه أميمة تمام عن أسرار تلك المرحلة.
كان لسوزان مبارك مكتب فى الرئاسة وسكرتارية خاصة، وتدخلها يأتى بناء على الأحداث، ووصل تدخلها فى بداية الألفية الجديدة خاصة فى 2003، أنها كان لها قرار واضح وبصمة واضحة فى اختيار الوزراء والشخصيات المحيطة بالرئاسة، وتغييرهم وتعيينهم، ولا تعتمد فى اختياراتها على الخبرة، بل تعتمد على خفة الظل على قلبها، أو العلاقات الشخصية. وبدأ عدد من الشخصيات النسائية التقرب منها والتودد إليها من خلال الإطراء على اختيار ملابسها، ومجاملتها، وتسريحة شعرها. وكانت سوزان تحب الهدايا، وتنفق كثيراً على نفسها خاصة فى الملابس، هؤلاء السيدات حصلن على مناصب، وهذا يرجع لنوع الشخصية وطبيعتها وطريقة التقرب لسيدة مصر الأولى وقتها، ولا أستطيع أن أذكر الأسماء، لكن على حسب الوزراء السيدات وقتها وزوجات السفراء وقتها.
من الناحية الشخصية، لم تكن لى بها علاقة شخصية، ورأيتها مرتين فى مناسبات عامة، ورأيت وقتها كم النفاق الذى يحيطها. وكانت «سوزان» تلجأ إلى أسامة الباز عندما تريد أن تستفسر عن بعض المعلومات، وعندما تكون مطالبة بإلقاء كلمة فى مؤتمر ما، أو عندما تقابل ضيفاً أجنبياً، وتستعين به عن خلفية هذه الشخصية، لكن لم تكن هناك صداقة، وبصفة عامة لم يكن «الباز» قريباً من «سوزان» أو أسرة الرئيس، مثل زكريا عزمى، وحسين سالم، وفريق الرئاسة، ورجل الأعمال أحمد عز، وغيرهم الذين كانوا يسافرون معهم، العلاقة بينهم كانت على نفس الوتيرة سنوات طويلة، كما قال لى «الباز».
وعندما بدأ الإعداد للتغيير فى المطبخ السياسى وظهور قانون التوريث، وانقلاب قواعد اللعبة، كانت «سوزان» هى المخططة لذلك، وهى لم تستبعد «الباز» بشكل مباشر، لكن كان كل هدفها أن تدفع ابنها إلى الرئاسة، ومن هنا اختلقت حالة سيئة جداً، وهى أن الرئيس وأسرته، لا يقبلون أى تعليق سلبى، أو خبر سيئ ولا يريدون سماعه. ومن هنا جاء الأشخاص الذين يقولون لهم إن كل شىء تمام، وأن الناس فى الشارع سعيدة، ولا توجد أمور سلبية، وكانوا يخفون الأخبار عن مبارك، وكان زكريا عزمى المسئول عن نقل ذلك، حيث كان يحجب عنه كل الجرائد والمكالمات من مسئول معارض مع مصالحهم بشكل أو بآخر حتى لآخر وقت.
والغريب أن «مبارك» كانت عنده حالة استرخاء منذ عام 2007 ثم استسلام تزايد حتى نهايته فى السلطة، ولا شك أن سوزان مبارك هى السبب الرئيسى لذلك، لاتخاذها القرارات وضغطها المتزايد على مبارك. وكان «الباز» يصيبه الضيق بسبب ذلك، وأكثر فترة كان «الباز» متحفزاً فيها على قرارات «سوزان» هى فترة اختيار الوزراء، حيث كان الأمر مثل الولادة المتعثرة لأنهم كانوا يطرحون عدة أسماء فى حقيبة وزارية واحدة، كما تجرى عملية استبدال لعدة أسماء فى اللحظات الأخيرة، وكانت معايير الاختيار على أساس الولاء لها والشخصية المقربة منها، وكانت هذه سمة تلك الفترة.
كل رجال لجنة السياسات مثل أحمد عز وجمال مبارك كانوا يريدون أن يتصدروا المشهد، وكانوا يتجاهلون توجيه الدعوة إلى «الباز» فى المناسبات السياسية أو فى كواليس المطبخ السياسى، وشعر «أسامة» بذلك، وبدأ ينسحب وقال لى «آن الأوان أن نعطى فرصة لوجوه أخرى تظهر على الساحة»، وبادر هو من نفسه ولم ينتظر أن يقول له أحد أن ينسحب، كان يذهب مكتبه بشكل طبيعى حتى المغرب، إلى أن تقلص عمله بشكل تدريجى وسحب الملفات منه وعدم مشاركته فى الملفات المهمة.
والحقيقة أن أسامة الباز كان يحب جمال مبارك، وكان يعتبره شاباً نبيهاً ونابغاً، وله مستقبل سياسى، وكان «جمال» يناديه «أونكل أسامة» وبصفة عامة كان «الباز» يحب الشباب ويشجعهم، وكان «جمال» يلجأ إلى «الباز» فى النصيحة ولم يتأخر عنه فى أى توجيه أو نصيحة. وفى مرحلة ما بدأ جمال مبارك عندما تبلورت شخصيته، يشعر أنه لا يحتاج إلى النصيحة، بسبب المحيطين به الذين كانوا يتعاملون معه باعتباره الرئيس المقبل، ومن الآثار السلبية لذلك، بدأ «جمال» يستكبر أن يأخذ النصيحة، وتزايدت تطلعاته السياسية باعتباره سيصبح الرئيس المقبل، وخرج من النطاق التثقيفى والتدريبى سريعاً إلى نطاق يمس العمل العام، وأصبح يتخذ قرارات مصيرية، ومن هنا بدأ التعارض.
وبحكم وجود جمال مبارك فى كثير من الاجتماعات والعمل السياسى كان الأقرب إلى «الباز» من علاء مبارك، خاصة أن الأخير لم يكن يفضل الحياة السياسية، وكان بعيداً جداً عن المطبخ السياسى وكانت حياته منحصرة بين دراسته فى البداية ثم عمله ثم أسرته الصغيرة فقط، وكان لا يفضل الوجود فى الاجتماعات أو الحياة السياسية كما كان يفعل جمال مبارك.
وتلقى «الباز» دعوة لعقد قران جمال مبارك فى دار القوات الجوية، لكنه لم يتلق دعوة لحضور الحفل المقام فى شرم الشيخ وحضر «الباز» عقد القران وكان عبارة عن ريسبشن بحضور كل رجال السياسة والمال والأعمال والفن والكرة فى مصر، واستمر الريسبشن 3 ساعات. ووقف الرئيس مبارك وزوجته وأسرته فى مدخل القاعة لاستقبال الناس ومصافحتهم وبعد ذلك دخلوا معهم القاعة وكان هناك ركن مخصص لعائلة مبارك فقط والضيوف يذهبون لمصافحتهم فى ذلك الركن المخصص لهم، ولم تكن هناك أى مظاهر احتفالية وبعد الانتهاء اصطفوا لمصافحة الناس وبعدها بعدة أيام أقيم فرح كبير فى شرم الشيخ ولم يُدع «الباز» إليه.
وظهرت على «جمال» بعد الزواج بعض الاختلافات التى لا يمكن أن يراها إلا المقربون منه، فقد بدأ يشعر بأن كل المؤهلات اكتملت لديه لتولى حكم مصر، ولا ينقصه إلا خطوات بسيطة لتحقيق حلمه وحلم والدته التى دافعت بإصرار عن حلمها فى وصول ابنها لحكم مصر.