"ياسمين": الدولة صنعت "أنصاف آلهة"
قالت المحامية ياسمين حسام الدين إن غالبية القضاة يصرون على إهانة زملائهم المحامين ويرفضون استقبالهم فى مكاتبهم أثناء الحصول على توقيعاتهم، ويوجهون مجندى الخدمة المكلفين بحراسة مكاتبهم للتعامل مع المحامين وأخذ الأوراق والمستندات منهم لعرضها على وكيل النيابة.
وأضافت المحامية الشابة فى حوارها لـ«الوطن»، أما بعض القضاة ووكلاء النيابة فيبلغون الجهات الأمنية عن المحامين الذين يدافعون عن متهمين فى قضايا سياسية ويتم ضبطهم فور انتهائهم من المرافعة بجواب ضبط وإحضار من القاضى الذى كان يترافع أمامه قبل قليل، بخلاف تعنت بعضهم ضد المحامين بشكل عام وعدم السماح لهم بالاطلاع على القضايا أو تصويرها، رغم أحقيتهم القانونية فى ذلك.
وأكدت «ياسمين» أن مبانى المحاكم تنقسم لقسمين، الأول يتم تجهيزه على أعلى مستوى لوكلاء النيابة والقضاة ورؤساء النيابات، والثانى يكون عبارة عن غرف تحت الأرض دون فتحات تهوية للمحامين، كما أن الفارق بين الجهتين يتضح فى التعامل مع مؤسسات الدولة، فكارنيه القاضى كفيل بأن يذلل له كافة العقبات حتى لو تجاوز القانون، على عكس المحامى الذى يرفض فى كثير من الأحيان الإفصاح عن هويته حتى لا يتعرض للتعنت من قبل أفراد المؤسسة التى يتعامل معها.
■ بداية.. ما تقييمك للعلاقة بين المحامين والقضاة داخل أروقة المحاكم؟
- لرسم طبيعة العلاقة بين القضاة والمحامين فى أروقة المحاكم سأذكر واقعة كنت شاهدة عيان عليها، أثناء الدراسة، كان الطالب الحاصل على المركز الأول فى دفعتى بالكلية ابن طبيب بشرى، وكان يوجد داخل نفس الدفعة طلاب حاصلون على تقدير عام مقبول وجيد، ولكنهم كانوا أبناء مستشارين وأعضاء فى السلك القضائى، وبعد مرور شهور على التخرج فوجئنا برفض النيابة تعيين ابن الطبيب الحاصل على تقدير عام «امتياز» وقبول طالب ابن سيادة المستشار، والغريب فى الأمر أن الكلية رفضت تعيين ابن الطبيب، بحجة عدم احتياجها معيدين فى هذا العام، وكانت النتيجة مغادرته إلى السعودية والعمل فى التسويق وترك القانون.
■ ما الفارق فى الامتيازات التى منحتها الدولة للقاضى والمحامى أبناء الكلية الواحدة؟
- الدولة منحت أعضاء السلك القضائى أكثر من المفترض أن يتاح لبشر بكثير، وفصلتهم عن المجتمع ومشاكله التى من المفترض أن ينخرطوا فيها حتى يتاح لهم تحديد طبيعة الجرائم التى تعرض عليهم للفصل فيها، والاطلاع على الحقوق والأعراف وغيرها من العناصر المهمة المستخدمة فى التقدير الموضوعى للأحكام، فصنعت منهم أنصاف آلهة، ويتجلى ذلك بوضوح فى طريقة معاملتهم المهينة للمحامين فى المحاكم، التى يشوبها الكبر والأنا والتحدث بطبقية.
■ ما الذى تقصدينه بـ«فصل القضاة عن المجتمع»؟
- «الدولة فصلتهم» بمعنى أن تعيينات النيابة اقتصرت على عدد من العائلات وأبنائهم ومن ثم أحفادهم، الدولة خصصت لهم أندية خاصة وفنادق وتأميناً صحياً فى مستشفيات دولية، ومنحتهم مرتبات خيالية، كل ذلك ساهم فى خلق نوع من الطبقية والانفصال لديهم عن المجتمع، خاصة فى ظل تدنى الأوضاع المعيشية والمادية لدى كثير من الفئات الأخرى
■ وهل هذا الأمر ينطبق على طبيعة علاقتهم بزملائهم المحامين؟
- بكل تأكيد، وكيل النيابة حديث التعيين ينظر إلى المحامى على أنه «فقير وبيركب مواصلات وبيقف يستناه بره المكتب لحد ما يخلص تليفون أو فطار أو ييجى له مزاج يشتغل»، والذى ساعده فى تكوين تلك الفكرة عدم وجود حماية حقيقية للمحامى ضد ممارسات وانتهاكات أعضاء الهيئات القضائية ضده، وعدم الفصل فى عشرات القضايا التى تقدم بها محامون ضد قضاة دون نتيجة.[FirstQuote]
■ كيف تتشكل طبيعة العمل داخل المحاكم؟
- للقاضى وضعه الخاص الذى يضم كافة الامتيازات، وعلى الرغم من تدخل نقابة المحامين ومحاولاتها المستميتة للحفاظ على هيئة ووضع واحترام المحامى «ولكن على قد إمكانياتها»، ما زال المحامى واقفاً على باب مكتب وكيل النيابة فى انتظار السماح له بالدخول، وفى بعض الأحيان يتعامل المحامى مع العسكرى حارس الباب لينهى له إجراءات الأوراق التى يحملها من وكيل النيابة، وفى غرف المداولة الضيقة يجلس القاضى تحت هوايات التكييف، بينما يضطر المحامون للوقوف فى الطرقات الضيقة «فى عز الحر»، الأمر الذى يزيد من التباعد النفسى بيننا وبينهم، بسبب شعورنا بالإهانة وعدم احترامهم لنا وأننا لسنا القضاء الواقف المكمل للقضاء الجالس.
■ هل رصدت انتهاكات لمحامين على يد أعضاء سلك قضائى؟
- بكل تأكيد، حيث تتعدد أشكال ودرجات الانتهاكات ما بين قانونى وأدبى، فالقانون أتاح للمحامى تقديم طلب إلى وكيل النيابة للاطلاع على القضية وأخذ نسخة منها، وعلى الرغم من ذلك يرفض وكيل النيابة ورئيسه والمحامى العام وكذلك النائب العام بالعبارة الشهيرة «ممنوع»، الأكثر قسوة من ذلك أننا لا نجد جهة من الممكن التقدم إليها بشكوانا، بخلاف رفض بعض القضاة حضور المحامين للجلسات مع المتهمين وإذا أصر الزملاء يتم التحقيق معهم بتهمة التطاول على القضاء.
■ من المؤكد وجود مواد فى القانون تحفظ حق وكيان المحامى لدى القاضى، لماذا لا تلجأون إليها؟
- نصوص القانون فى جرائم إهانة القضاء واسعة ومطاطة، وهذا ما يجعل القاضى يشعر بأنه شخص مميز عن باقى البشر وأنه ينتمى لعائلة مقدسة -مثلما ورد على لسان وزير العدل المقال- وبالتالى أى لفظ أو تصرف من قبل المحامى تجاه القاضى من الممكن أن يتحول إلى إهانة للقضاء.
■ كيف يتم ضبط علاقة العمل بين القاضى والمحامى داخل المحكمة؟
- غياب الرقابة على الجهاز القضائى يجعلهم متأكدين أنه لا يوجد حساب وأنه من حقهم فعل أى شىء حتى لو خالف ذلك القانون، بدليل تقدم عشرات المحامين لرد أحد القضاة وحررنا ضده العشرات من دعاوى المخاصمة وكلها تم رفضها، دون إبداء أسباب، لذلك لا بد أن يعلم أعضاء السلك القضائى أن النيابات سلطة تحقيق وليست سلطة اتهام وليس العكس. [SecondQuote]
■ ما الفارق بين كارنيه القاضى والمحامى فى التعامل مع مؤسسات الدولة؟
- لا توجد أوجه تشابه بينهما، حامل كارنيه النيابة «يأمر وغيره ينفذ» يمر على كمين الشرطة دون لوحات معدنية وسيارته مملوءة بالستائر والفاميه الأسود الداكن والضابط يؤدى له التحية قائلاً «اتفضل معاليك يافندم»، أما كارنيه المحامى فإبرازه كفيل بالتدقيق مع حامله ومحاولة الترخيم عليه بأى طريقة.