فتح الإعلامى المحترم مجدى الجلاد ملف قانون الأحوال الشخصية، وهو ملف شائك ملىء بالأوجاع، وقلما يتم فتحه بصورة جادة، حيث يخشى الكثيرون الحديث بإنصاف عن معاناة المرأة فى وجود تجار دين لا يرون فى المرأة سوى متاع لرغبات مريضة عادة ما يتم تسويقها بغلاف دينى، وللاقتراب من هذا الملف لا بد من معرفة متى نشأ؟ وكيف تطور؟ وما هى الإصلاحات أو التعديلات التى أدخلت عليه؟ وهل ساعدت فى خلق توازن داخل الأسرة أم حولت العلاقة إلى ساحة حرب؟
عرفت مصر تنظيم الأحوال الشخصية على المستوى القانونى لأول مرة عام 1920، أما قبل ذلك كان القضاة الشرعيون هم الذين يتعاملون مع النزاعات الأسرية وكانوا يحكمون فى تلك النزاعات وفقا لأحد مذاهب الفقه الإسلامية الخمسة (المذهب الحنبلى، والشافعى، والحنفى، والمالكى، والجعفرى)، مع انتهاء الاحتلال الأجنبى والحصول على الاستقلال، شهدت المنطقة جهوداً هائلة لسن قوانين للأسرة، وقد طبقت المحاكم الشرعية هذا القانون فى الفصل فى النزاعات الأسرية، بدءاً من عام 1934، وبناء على ذلك، أصبحت القضايا الخاصة بشئون الأسرة معروفة باسم قضايا الأحوال الشخصية. فى عام 1955، تم إلغاء المحاكم الشرعية فى إطار الجهود الحكومية لتعميق مركزية النظام القانونى، وبدلاً من القضاة الشرعيين التقليديين، أصبح القضاة المدربون فى كليات الحقوق الحديثة هم الذين ينظرون فى قضايا الأحوال الشخصية.
لقد استمر العمل وفقاً للمذهب الحنفى فى النظام القانونى للدولة العصرية، وهو المذهب الذى صدر مرسوم به فى الفترة العثمانية، غير أن القانون الجديد قد استمد بعض القواعد من المذاهب الإسلامية الأخرى، خاصة المذهب المالكى فيما يتعلق بالطلاق، ومع ذلك، ظل النظام القانونى يفرض على القاضى تطبيق الرأى السائد للمذهب الحنفى إلا لو كان هناك نص صريح فى التشريع المصرى حول القضية المعنية.
مع صعود خطاب دينى نهضوى سعى المدافعون عن حقوق النساء المصريات إلى إدراج مطالبهم فى المشروع التحديثى للدولة، مثل رفع سن الزواج، وإدخال تعديلات على المواد الخاصة بالطلاق والنفقة، وقد أسفرت تلك الجهود عن بعض الإصلاحات، فمثلاً، تضمن القانون رقم 25 لعام 1920 بعض التعديلات فيما يتعلق بالطلاق بهدف النهوض بالحقوق القانونية للنساء، إذ تمنح المواد من 4 إلى 6 فى هذا القانون النساء حق الطلاق للضرر بسبب عدم إنفاق الزوج، وتمنح المواد من 9 إلى 12 النساء حق الطلاق لو كان يعانى الزوج من مرض معد، بينما تمنح المواد من 12 إلى 14 النساء حق الطلاق فى حالة قيام الزوج بالهجر، أو دخوله للسجن، كما تم إدخال تعديل آخر خاص برفع سن الزواج، حيث تم رفعها إلى 18 سنة للذكور و16 سنة للإناث، حاولت المجموعات النسائية، بالتعاون مع الحكومة، إدخال إصلاحات إضافية تستهدف الحد من تعدد الزوجات من خلال وضع شروط فى وثيقة الزواج، إلا أن الملك، لأسباب شخصية خاصة، رفض الاقتراح الخاص بوثيقة الزواج فى عام 1926، نظراً لرغبته فى الزواج، ويعد هذا أحد أهم النماذج فى تطويع واستخدام تجار الدين لمصالح خاصة، تجارة دفع ويدفع ثمنها أجيال امتدت لما يقرب من قرن من الزمان.
فى عام 1929، تم إقرار قانون الأحوال الشخصية رقم 25، الذى تضمن عدداً من الإصلاحات، منها: حق النساء فى إقامة دعوى بالطلاق فى حالة سوء معاملة الزوج، كما اعتبر تطليق الزوجة بالإكراه أو تحت تأثير الخمر غير جائز قانونياً.